العربية وأساليب القرآن والإحاطة بأخبار الوحي والولاية.
ولمعرفة كون القرآن معجزة في الفصاحة والبلاغة لا بدّ من التخصّص في فنون الكلام المختلفة ، ومقارنة ما يتميّز به القرآن مع سائر أنواع الكلام الفصيح والبليغ.
ولا ينحصر الإعجاز القرآني في البلاغة والفصاحة ، بل هناك طرق عدّة ، يثبت بها إعجاز القرآن ، وما تصوره الأستاذ الحجة الشيخ السبحاني (١) (دام ظله) من أن الإعجاز القرآني منحصر في الجانب البلاغي بالدرجة الأولى ، ثم إنّ بقية العناصر مؤيدات ، هذا الكلام منقوض بالتحدي به من جميع وجوه إعجازه ، ولو كان التحدي ببلاغته وفصاحته دون سواها لم يتعدّ العرب ، مع أنّ التحدي لا يختص بالعربي دون غيره.
قد يقال :
إنّ التحدي بالنسبة إلى العرب بالمباشرة ، وبالنسبة إلى غيرهم بالتسبيب ، فالآية المباركة (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء / ٨٩) لا تنافي انحصار وجوه الإعجاز في الفصاحة والبلاغة.
والجواب :
١ ـ إنّ ظاهر التحدي في الآية المباركة يشمل جميع أفراد البشر والجن على نحو واحد ، والتفصيل بين الأفراد بالمباشرة والتسبيب خلاف الظاهر.
٢ ـ إنّ إطلاق التحدي عام يقتضي شموله لجميع الجهات من الفصاحة والبلاغة والمعارف والأحكام والمغيبات والأسرار ، ولعلّ تأثير هذه الأمور على الأفراد أعظم من جانبي البلاغة والفصاحة ، إذ ليس أكثر الناس فصحاء أو على اطلاع بجوانب الفصاحة حتى نحصر الإعجاز بالفصاحة والبلاغة ، فحصر الإعجاز أو تقييده بالعنصرين المذكورين يعدّ تقييدا من دون دليل ، فيبقى الإطلاق على حاله فيكون التحدي مطلقا ومن كل الوجوه ؛ «فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته ، وللحكيم في حكمته ، وللعالم في علمه ، وللاجتماعي في اجتماعه ، وللمقنّنين في تقنينهم ، وللسياسيين في سياستهم ، وللحكام في حكومتهم ،
__________________
(١) الإلهيات : ج ٢ ص ٢٤٤.