يصدّق بعضه بعضا ، ويشهد بعضه على صدق بعضه ، ويفسّر بعضه بعضا ، وهذا شاهد صدق على كونه من عند علّام الغيوب ، ولو كان من عند غير الله تعالى لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، كما يشهد له ما في التوراة والإنجيل من الخبط والتناقض والاختلاف إلى حدّ مهول مدهش (١) ؛ فنزول القرآن خلال ثلاث وعشرين سنة على قلب نبيه الأكرم مع عدم طروء أي تغيير على آيات الكتاب ، لدليل على أنه من عند الله تعالى لا من عند محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم كما اتهمه بعض المسيحيين ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء / ٨٣).
ويستدل على كون القرآن الكريم ليس من عند النبي محمد ولم يخطّه بيمينه ولا يمين ورقة بن نوفل ولا أحد من البشر بدليلين :
الأول : إنّ القرآن فيه الكثير من المغيبات والقضايا العلمية الكبرى التي يعجز البشر ـ مهما أوتوا من قوة العلم ـ أن يحيطوا بكنهها وحقائقها ، وليس بمقدر النبي محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم إن لم يتصل بوحي السماء أن يعرفها أو يحدّث عنها ، مع كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتعلم من أحد على الإطلاق كما شهد بذلك جميع البشر من كل الأديان والأسباط.
الثاني : لو كان من عند النبي محمد لبان وظهر من خلال مقارنته مع أحاديث النبي المطهّرة ، حيث يجد اللبيب فرقا شاسعا بين أحاديثه المروية عنه ، وبين آيات الكتاب المجيد.
هذا وقد استدلّ بعضهم على إعجاز القرآن بتناسق آياته وعدم الاختلاف فيها ، لأنها من صنع الله تعالى ، وإلّا لو كانت من صنع النبي محمّد لوجدنا فيها اختلافا كثيرا نتيجة التغيرات الحاصلة في المشاعر والأحاسيس من جرّاء تغيّر الظروف الطبيعية والاجتماعية ، «فإذا افترضنا أنّ القرآن الكريم من صنع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه كإنسان خاضع لكل التغيرات المذكورة ، فمع ملاحظة الظروف المتغيرة الحادّة التي شهدتها حياته ، والتي ربما كانت متضادة ومتعارضة فيما بينها تضادا وتعارضا كبيرا ، فلا بدّ وأن تظهر في كلامه اختلافات كبيرة في شكله ومحتواه ،
__________________
(١) لاحظ ما ذكره الحجة البلاغي في الهدى إلى دين المصطفى ص ١٩٦ ـ ٢٣٤ والرحلة المدرسية : ص ١٣٢ ـ ١٨٤.