فطرت عليه لما أرسل إليهم الرسل أو أنزل الكتب بل لصاروا كلهم أنبياء يوحى إليهم فعل الخيرات ، ولو رضي عن عقولهم لما ذمهم بقوله تعالى :
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون / ٥٤).
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء / ٦٦).
(يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (المائدة / ١٠٤).
(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (يونس / ١٠١).
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (العنكبوت / ٦٤).
فإذا كان كذلك تعلم أنه سبحانه لا يرضى بحكم أي عقل إلّا العقل السليم الخالي من شبهات إبليس والمتّبع لصراط الله المستقيم ، فكل حكم يحكم به فقيه وليس له عليه برهان من كتاب أو سنّة محمد وحججه الطاهرين فهو حكم بالرأي وهو ظنّ لشوب (١) العقول غير المعصومة بما ذكرنا من الأعراض ، «وإنّ الظن لا يغني من الحق شيئا» إلّا ما قام عليه دليل العترة الطاهرة ، فكل حكم لم يثبت بخبر منهم عليهمالسلام فلا عبرة به وذلك لأنّ العقول الجزئية لا تقدر على إدراك الجزئيات ، وموضوعات الأحكام جزئيات فمرجعها العقل الكلي العالم بالشيء قبل كونه المحيط بالأشياء ؛ نعم الموكول إلى العقول هو معرفة الصانع وأدلتها بديهية وهي الآيات المشهودة في الآفاق والأنفس ومعرفة الرسول وأدلتها المعجزات المشهودة وكذا معرفة أولياء النعم وما صدر عنهم من معجزات إلى آخر ما يختص به العقل النظري من أمور بديهية عند كل العقلاء.
ثم على الناس الرجوع في الجل والقل (٢) إلى ذلك الرسول فيكفيها سبحانه مئونة الاستدلال ، وما زاغ قوم عن الحق إلّا بالاستدلال في الجزئيات مع عقولهم الناقصة البائرة (٣) ويشهد له ما روي عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ليس على الناس أن
__________________
(١) الشّوب : الخلط.
(٢) القلّ : أي الشيء القليل مقابل الكثير.
(٣) لاحظ المحاسن للبرقي / ٢٠٠ باب الهداية من الله عزوجل.