اشتقاق التقليد من القلادة الموضوعة على العنق. والتقليد في فروع الدين يعني الانقياد عملا بالأحكام الشرعية امتثالا لأمر المولى عزّ ذكره ، سواء كانت هذه الأحكام عبادية يشترط فيها نية التقرّب إليه سبحانه ، أم معاملتية لا يعتبر فيها القصد المذكور بل يكفي فيها الامتثال العملي لا غير. وعلى كلا الجهتين فإنّ المكلّف في الحالتين لا بدّ له من اختيار أحد طرق ثلاث :
التقليد.
الاحتياط.
الاجتهاد.
قد يسأل البعض : لما ذا فوّضت الشريعة اختيار واحد من ثلاث دون أن توجب واحدا بعينه على الخصوص؟
جوابه :
أما تعيين الاجتهاد على كل الأفراد فإنه مستلزم للعسر والحرج ، إذ لا يمكن لكل فرد الاجتهاد ، فإنه ضرب من المستحيلات عادة ، إذ قد يؤدي إلى خلل في نظام المعاش ، لاستلزامه ترك الأعمال والأشغال وهذا مما لا تحمد عقباه.
إضافة إلى أنّ ديدن المتشرّعة منذ عهد الأئمة عليهمالسلام إلى وقتنا الحاضر كان قائما على السؤال من الفقهاء والرواة لمعرفة أحكام دينهم من دون نكير منهم ، مما يفسّر لنا عدم لزوم تعيين الاجتهاد على المكلّفين فردا فردا ، نعم هو واجب كفائي ، إذا قام به بعض سقط التكليف عن الآخرين لقيام الأدلة على ذلك منها قوله تعالى :
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة / ١٢٢) ، ودلالتها على ذلك واضحة ، حيث يجب على جماعة طلب التفقه لئلا يقعوا في مخالفة أوامر المولى عزّ ذكره فيعاقبوا جميعا.
أما الاحتياط : وهو العمل الذي يتيقّن معه ببراءة الذمة من الواقع المجهول. ومن يريد العمل بالاحتياط فإنّ عليه أن يكون على معرفة تامة بأقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين ليمكن معه تحصيل موافقة الواقع ، وهذا لا يكون إلّا للأوحدي من الناس ممن لهم سعة باع واطّلاع لا يتسنيان إلّا لمن بلغ حظا وافرا