الأول : ما يكون في مورد النص القطعي ثبوتا ودلالة بمعنى العلم بوجوه يقينا في الكتاب الكريم والسنّة المطهّرة ، بحيث لا يقبل الشك لوضوح دلالته ولا يحتمل التأويل ، وهذا القسم من الاجتهاد مما لا يمكن الأخذ به وقد أنكره الشيعة ، والعجب أن العامة أنكروه أيضا في حين أن سيدهم عمر بن الخطاب أول من قال به وعوّل عليه عند ما قال : «متعتان كانتا على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهما ، متعة النساء ومتعة الحج». وفي لفظ آخر : وأحرّمهما.
فالاجتهاد إنما يكون في النظريات لا الضروريات التي قامت الأدلة القطعية على ثبوتها ، والاجتهاد فيها يؤدي إلى محق الدين وتعطيل شريعة سيد المرسلين بجحود النصوص ، وهذا ما يسمى بالاجتهاد في مقابل النص (١) ، وهو مما نص على تحريمه إضافة إلى الشريعة المقدّسة بقية الشرائع الوضعية.
الثاني : أن يكون في مورد لا نص فيه من آية أو رواية أو إجماع قطعي وهذا يشمل القياس والاستحسان الظنيّين اللّذين قال بهما العامة ، وحرّمهما الخاصة (رضوان الله عليهم) ، لأنّ القياس والاستحسان يعني الاعتماد على مجرّد الحدس أو الرأي الذاتي المحض الذي اعتمد عليه المكلّف من دون استعانة بأحد الأدلة الأربعة ، حيث إن المكلّف قد أقام رأيه الخاص وظنونه الشخصية مقام النص ، واتخذ منه مصدرا لأحكام الدين.
وقد يكون الاجتهاد في مورد لا نص فيه كما لو اعتمد على دليل عام يحكم العقل بصحته ويجزم بصوابه كمسألة دوران الأمر بين الأهم والمهم عند التزاحم ، والضرورات تقدّر بقدرها وقبح العقاب بلا بيان ، وما إلى ذلك من أحكام قرّرها العقل وحكم بصحتها الشرع ، لما يستكشف منها من أحكام كما يستكشف وجود
__________________
(١) من مصاديق هذا الاجتهاد : ما فعله عمر بن الخطاب حيث حرّم المتعتين وحي على خير العمل وكثيرا من الأحكام الضرورية التي كانت ثابتة في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يكتف بذلك ، بل منع من وصول الكتاب الذي أراد أن يكتبه لهم النبي وهو على فراش الموت فقال تلك المقالة الفظيعة : إن الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، اعتقادا منه أن الكتاب كاف لوحده في السير إلى الله تعالى من دون الرجوع إلى سنة النبي التي أمر القرآن بالرجوع إليها. ولقد روى هذا الحديث عن عمر بن الخطاب : الشهرستاني في الملل والنحل ج ١ / ٢٢ وصحيح البخاري ج ٥ / ١٦٢ ح ٤٤٣٢ وح ٤٤٣١ وج ٨ / ٥١٦ ح ٧٣٦٦ باب مرض النبي وصحيح مسلم ج ١١ / ٧٥ حديث ١٦٣٧ كتاب الوصية وابن الأثير في الكامل ج ٢ / ٣٢٠.