والتقسيم ، فبما أنّ الملكة يدور أمرها بين الوجود والعدم ، ولا يعقل أن تتحقق متبعضة كأن يقال : إنّ لفلان نصف ملكة الشجاعة ، أو نصف ملكة الاجتهاد ، إذا المتصدي للاستنباط إما أن يكون مجتهدا مطلقا وإما أن لا يتصف بالاجتهاد أصلا ، فالتجزي في الاجتهاد أمر غير معقول.
والجواب عنه :
أن من قال بجواز تبعض الاجتهاد لا يريد بذلك أن ملكة الاجتهاد قابلة للتجزئة ، وأن للمتجزئ نصف ملكة كما مرّ فإن هذا غير معقول نظير دعوى أن زيدا له نصف ملكة الشجاعة بل مراده أن متعلق القدرة في المتجزي أضيق دائرة من متعلقها في المجتهد المطلق لأنها فيه أوسع (١) ، توضيحه :
إن القدرة تتعدد بتعدد متعلقاتها ، فإنّ القدرة على استنباط حكم مغايرة للقدرة على استنباط حكم آخر ، وحيث إن أبواب الفقه مختلفة المدارك ، متفاوتة سهولة وصعوبة مع اختلاف الأشخاص في الاطّلاع عليها ، وفي طول الباع وقصوره بالنسبة إلى تلك الأبواب ؛ فربّ فرد كثير الاطّلاع ، طويل الباع في مدرك باب معين من أبواب الفقه دون باب آخر ، فهذا يستدعي بالضرورة حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركها أو لمهارة الشخص فيه دون غيره ، فما ادّعي من استحالة وقوع الاجتهاد المتجزئ مردود ، بل قد يقال : إنه يستحيل عادة حصول اجتهاد مطلق لا يكون مسبوقا بتجزؤ لأنه ليس من المستحيلات العقلية نظير اجتماع الضدين أو النقيضين ، وذلك لأن المسائل الفقهية في عرض واحد ولا تقدم لبعضها على بعض آخر زمانا أو رتبة بأن يكون التمكن من استنباط بعضها مقدمة للقدرة على استنباط بعضها الآخر حتى يتوهم أن المتأخر يستحيل أن يتحقق قبل حصول المتقدم حيث إن تحقق ذي المقدمة من دون مقدمته في المقام يستلزم الطفرة المحالة ، فأي مانع لدى العقل من أن تحصل ملكة الاجتهاد المطلق دفعة واحدة ولو بالإعجاز والإفاضة منه تعالى جلّت عظمته.
فإذن يمكن أن يصبح المرء مجتهدا مطلقا دفعة واحدة ومن دون أن يمر بمرحلة التجزؤ إلا أن ذلك نادر الحصول ، فلا بدّ من اجتياز تلك المرحلة الجزئية للوصول إلى مرحلة الاجتهاد المطلق.
__________________
(١) التنقيح : ج ١ ص ٣٣.