والانحراف عن أحكام الفطرة لا يعدّ إبطالا لحكمها بل استعمالا لها عمّا لا ينبغي ، نظير ما ربّما يتفق أن الرامي لا يصيب الهدف في رميته ، فعدم الإصابة لا يعني أن الآلة معطّلة ، كيف وهي موضوعة للرمي وإصابة الهدف إلّا أنّ الاستعمال يوقعها في الغلط ، وكذلك السكاكين والمناشير والمثاقب والأبر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوّجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب لكن لا على الوجه المقصود.
إذن عند ما نجعل الإدراك الفطري القلبي دليلا على إثبات وجوده تعالى فإنّ ذلك يعني أنّ القلب يعلم بالشهود والحضور ربّه ، والدليل عليه هو رجاؤه بالقادر المطلق عند ما تنقطع عن العبد الأسباب الظاهرية والتعلقات المادية فإنّ قلبه يتوجه إلى من فطره على معرفته إلّا أن الشواغل والتعلقات تلك حجبت ذلك الشعور وقد أشار مولانا الإمام الصادق عليهالسلام إلى دليل الفطرة الذي يظهر عند الشدائد ، قال له رجل : يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني.
فقال الإمام عليهالسلام : يا عبد الله هل ركبت سفينة قطّ؟
قال : نعم.
قال عليهالسلام : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجّيك ولا سباحة تغنيك؟
قال : نعم.
قال عليهالسلام : فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟
قال : نعم.
قال عليهالسلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي وعلى الإغاثة حيث لا مغيث (١).
فهذا الميل إلى الحق المطلق راسخ في أعماق بواطن البشر حتى الكافرين لكنهم نسوا هذا الميل باتباعهم الهوى.
ثم إن هذا الإحساس بالخطر عند الشدائد ثم التوجه إليه سبحانه نتيجة ذلك
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٣ ص ٤١.