والتامور : الدم ، أي دم جسد المنذر.
و «كالغيب» : كما في قول النبي عيسى عليهالسلام : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة / ١١٧).
أي تعلم غيبي يا رب لأنّ النفس الإنسانية مهما بلغت من الرقي والسمو لا يمكنها أن تعلم غيب الله تعالى إن لم يعلمها هو عزوجل.
وللنفس معان أخرى : كعين الشيء والعظمة والكبر والهمة والكنه والجوهر (١).
ولها لفظان مترادفان هما : العقل والروح.
فالروح ما به الحياة ، والعقل ما به التمييز والإدراك لذا يقال : إن المجنون أو الصبي يمتلكان روح الحياة ولا يمتلكان روح التمييز والإدراك ، ولهذا يقال : إن للإنسان نفسين :
إحداهما : نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام فلا يعقل بها.
ثانيهما : نفس الحياة ، إذا زالت معها نفس النائم وهو عبارة عن الزفير والشهيق.
وهاتان النفسان أشير إليهما في قوله تعالى :
(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (الزمر / ٤٣) فيستفاد من الآية المباركة أمور ثلاث :
الأول : إن الإنسان عبارة عن روح وجسد ، والروح جوهر غير مادي مرتبط بالجسد يبعث فيه النور والحياة.
الثاني : ضعف العلاقة أو الرابطة بين الروح والجسد عند النوم أو الاحتضار.
الثالث : انقطاع هذه العلاقة انقطاعا تامّا عند الموت ، حيث يذهب بالروح إلى عالمها الخاص بها ، ويبقى الجسد العنصري الأول تحت التراب تتحلّل ذرّاته.
من خلال هذه الأمور الثلاثة نلاحظ بوضوح أن النفس والروح ليستا حقيقتين
__________________
(١) لسان العرب : ج ٦ ص ٢٣٥.