والجود والكرم والبخل ، والعشق والحزن والعلم والجهل ، كلها حقائق ذات واقعية حتما ومع ذلك لا يمكن نفيها بحجة أنها غير محسوسة ولا مرئية ، أولسنا نؤمن جميعا بوجودها فينا جلها أو بعضها رغم أنها لا تخضع لطاولة التجربة ولا لسكين التشريح ولا نرى لها أثرا تحت المجهر؟!.
الثاني : إن مقتضى سيرهم العلمي التجريبي المتمخض عنه عدم العثور على أثر للروح لا يعني عدم وجودها ، وبعبارة فنيّة : «عدم الوجدان ليس دليلا على عدم الوجود» ، أي إنّ عدم عثورهم على الروح من خلال تجاربهم العلمية ليس دليلا على عدم وجود الروح غير المرئي بالآلات المادية.
الدعوى الثانية :
إن النفس أو الروح التي يقام البرهان على تجرّدها هي في الحقيقة مجموعة خواص طبيعية أو إدراكات عصبية ، أو مجموعة خلايا دماغية لها تأثير على البدن ، مدعين بذلك أن أيّ عطل يصيب الدماغ يسبّب تعطيل القوى البدنية المرتبطة به.
وبعبارة : أن هناك علاقة قريبة بين الظواهر الروحية والخلايا العقلية والدماغية.
والجواب :
الأول : لو سلّمنا أنّ روح الإنسان هي نفس أجهزته العصبية والدماغية لكان على الإنسان أن يتغيّر بتغيّر أجهزته العصبية والدماغية فيكون بهذا قد تغيّر عشرات المرّات خلال فترات حياته ، وبهذا يكون هذا الإنسان غير الإنسان السابق نتيجة التغيّر الحاصل في خلاياه وهذا ما لا يقبله الوجدان.
وما توهموه مردود بحسب النظرية العلمية القائلة :
إن عدد خلايا الدماغ ثابتة وغير قابلة للزيادة والنقصان ، وهذا لا يعني أنّ الذرّات المكوّنة لهذه الخلايا لا تتغير ، ومثل هذه الخلايا مثل خلايا الجسم التي تأخذ الطعام وتطرد الذّرات القديمة بالتدريج خاضعة للتغيير.
الثاني : أيضا لو سلّمنا جدلا بأنّ الأجهزة العصبية هي الروح ، لكننا لا نسلّم كون هذه الأجهزة تعمل بنفسها من دون أن تديرها جهة أخرى لاستحالة بقاء المعلول من دون علة يرتبط بها والتي يعبّر عنها ب «العلة الاستمرارية» فلا بدّ لكل