وظاهر الآية الشريفة أنّهم يدّعون إصابة القتل والصلب بشخصه البدني عليهالسلام الّذي رفعه الله تعالى إليه.
الثاني : قوله تعالى : (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) ، فإنّه يدلّ على أنّ القتل والصلب المزعومين في حقّه عليهالسلام إنّما كان بالنسبة إلى الشخص الّذي أوقع الله تعالى عليه شبه عيسى عليهالسلام لحكم كثيرة كما عرفت آنفا. وأما هو فقد نجّاه الله تعالى من أيديهم وسلم من قتلهم وصلبهم وحتف الأنف أيضا.
الثالث : قوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) ، فإنّه يدلّ على أنّ الرفع إنّما كان بهذا البدن الجسماني ، فإنّ الإضراب عن ادّعاء القتل والصلب بشخصه الجسماني لدليل واضح على أنّ الرفع بالبدن مع روحه لا أحدهما من دون الآخر ، وإلّا فلا فائدة في الإضراب ، فإنّ الرفع لا يتمّ بمجرّد الروح بعد الموت بأي نحو كان ، كما لا يتمّ بالبدن فقط.
وقد ذكرنا في التفسير أنّ الرفع هو تخليص له عليهالسلام من أيدي الكافرين المعاندين ونجاة من تعذيبهم ، ثم بعد الرفع لا يعلم حاله من هذه الآية المباركة ، بل دليل آخر يثبت حياته كما ستعرفه.
الرابع : قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) ، فإنّه يدلّ على حياته عليهالسلام وعدم موته بعد الرفع ـ كما عرفت في التفسير ـ وليس هذا ببعيد عنه عليهالسلام ، فإنّ حياته مليئة بالمعجزات من حين ولادته الى حين رفعه إليه عزوجل حتّى بعد نزوله وموته ، فرفعه من الأرض تخليصا له من أيدي العتاة والجبابرة والمعاندين وتكريما له ، ثمّ حفظه تعالى بعد الرفع بعدم إصابة أي مكروه به ولا يذيقه الموت حتّى يقضي الله بنزوله.
وهذه كلّها خارقة للعادة دلّ الكتاب العزيز على ثبوتها وعضدته السنّة الشريفة ، فلا يبقى بعد ذلك مجال لتأويل المبغضين وزيغ المعاندين.
فهذه هي عقيدة المسلمين في المسيح عيسى بن مريم عليهالسلام الّتي هي معروفة من عصر نزول القرآن الكريم.