موجب لإنكار جميعها ، فيكون كفرا عند إظهار الإنكار ونفاقا مع الإخفاء ، فالإيمان المطلوب الّذي حدّده عزوجل هو الإيمان بالله الواحد الأحد الّذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا ، والإيمان بالمبدأ يستلزم الإيمان بالمعاد والإيمان بالرسول صلىاللهعليهوآله وبالكتاب ـ الّذي نزل عليه ـ المتضمّن على جميع شروط الإيمان وصفاته ، ويبيّن المعارف الإلهيّة ، والكتاب الّذي نزل على الأنبياء السابقين الّذي يحتوي على اصول الأحكام والشرائع. ومجموع ذلك يدعو إلى العمل والتخلّق بمكارم الأخلاق.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً).
شرح لما ورد في صدر الآية الشريفة في تفصيل دقيق وبيان وافي بأنّ الإيمان وحدة متكاملة ، وأنّ الكفر بواحدة منها يوجب الكفر بالجميع بعد الدعوة إلى الإيمان بالجميع ، وإرشاد بأنّ التفصيل الّذي ورد في صدر الآية يتضمّن أجزاء اخرى مترابطة وإن لم تذكره الآية المباركة ، فليست هذه الآية الشريفة شيئا آخر مغايرا لما ورد في صدرها ، فإنّ قوله تعالى : (وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) يتضمّن جميع ما ورد في هذا الذيل ، فالإيمان المطلوب على وجه الدقّة هو الإيمان بالله تعالى والملائكة ـ الّذين هم رسل الله سبحانه وتعالى ـ والأنبياء ـ الّذين أرسلهم عزوجل لهداية خلقه إلى ما يرشدهم ويسعدهم ويحذّرهم عمّا يوجب شقائهم ـ والإيمان باليوم الآخر ـ وهو يوم الجزاء ـ والإيمان بالكتب الإلهيّة الّتي تضمّنت جميع المعارف والأحكام والشرائع.
وتبيّن الآية الكريمة أنّ الكفر بالمجموع هو كفر وضلال بعيد ، وليس الأمر كذلك في كفر البعض ، فإنّه وإن كان كفرا وضلالا ولكن غير متّصف بالبعد ؛ لأنّ للضلال مراتب ، ووصف الضلال بالبعيد هو من أبلغ الوصف وأكمله ، فإنّ الكفر يبعّد الإنسان عن طريق الهداية وسبل الخير.