وثالثا : أنّ كثيرا من الكتب المتقدّمة على تدوين الأناجيل تنكر الصلب ، قال فوتيوس : إنّه قرأ كتاب رحلة الرسل ـ فيه أخبار بطرس ، ويوحنا ، واندرواس ، وتوما ، ونولس ـ «أنّ المسيح لم يصلب ولكن صلب غيره ، وقد ضحك من صالبيه». ولاشتمال هذه الكتب على كثير من الحقائق الّتي تخالف الأناجيل الأربعة ، فقد حرّمت المجاميع الاولى من كتبهم قراءة هذه الكتب والرسائل الّتي تخالف الأناجيل الأربعة ، حتّى أنّهم أحرقوها وأتلفوها لئلّا يقرأها أحد.
ورابعا : أنّ ما ورد في هذه الأناجيل من قصة الصلب والفداء يناقض ما ورد في القرآن الكريم الكتاب الإلهي الّذي يقول في هذه القصة : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) كما هو الواقع كذلك ، فلا دليل لهم على صحّتها ، وسيأتي في الموضع المناسب البحث في حجّية الأناجيل الأربعة إن شاء الله تعالى.
وعلى فرض التنزيل ، فإنّ الأناجيل في حدّ نفسها متعارضة في قضية الصلب ، ننقل شاهدا واحدا ، فإنّ النصارى يدّعون ـ كما عرفت ـ أنّ المسيح بذل نفسه باختياره فداء وكفّارة عن البشر ، ولكن ورد في إنجيل متى أنّه حزن وكئب عند ما شعر بقرب أجله وطلب من الله أن يصرف عنه البلاء ، فقد ورد فيه (ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب (٣٧) ، فقال لهم : نفسي حزينة جدا حتّى الموت امكثوا هنا واسهروا معي (٣٨) ، ثم تقدّم قليلا وخرّ على وجهه وكان يصلّي قائلا : يا أبتاه إن أمكن ، فلتعبّر عني هذه الكأس ، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت (٣٩) ... فمضى أيضا ثانية ، وصلّى قائلا : يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبّر عني هذه الكأس إلّا أن أشربها فلتكن مشيتك» (متى ٢٦ الآيات من ٣٧ ـ ٤٢). ومثله ما ورد في لوقا ٢٢ الآيات من ٤٣ ـ ٤٥. فإنّه يدلّ على جهله عليهالسلام بالحال ، وتألّمه بل طلبه من أبيه إبطال هذه القضيّة الّتي اجتمع فيها العدل والرحمة ، وهذا كلّه مناف لألوهيّته المزعومة.
وأمّا الدليل الثالث ، وهو بشارة كتب العهد العتيق بمسألة الصلب ، فهي