آمنوا إيمانا صادقا ، وهم الراسخون في العلم المؤمنون بالله العظيم حق الإيمان فلا يشملهم ما شمل اليهود من الخسران وسوء العاقبة ، فإنّ لهؤلاء المؤمنين أجرا عظيما لا يدركه أحد.
ثمّ يعقّب جلّت عظمته بعد بيان حال الطائفتين الكافرة الظالمة والمؤمنة إيمانا صادقا توطئة للمحاجّة مع النصارى بذكر حقيقة رئيسية في حياة الرسل والبشرية ، وهي أنّ الوحي الى جميع الأنبياء والمرسلين شيء واحد ، فما اوحي الى رسول الله صلىاللهعليهوآله هو ذاته الّذي اوحي الى النبيين من قبل ، سواء كانوا المذكرين في القرآن الكريم الّذين قصّ عزوجل علينا أخبارهم أم غير المذكورين ، فإنّه وحي واحد للرسل جميعا ، وهو الدعوة الى عبادة الواحد الأحد الّذي لا شريك له كما أنّهم جميعا يشتركون في غاية واحدة ، وهي (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [سورة النساء ، الآية : ١٦٥] ، فلم يأخذ عزوجل الناس بميثاق الفطرة وحده ، ولم يكلهم الى أنفسهم رحمة بهم ، لأنّهم عرضة الأهواء الباطلة والانحراف عن الفطرة ، بل أرسل إليهم رسلا مبشّرين لاختلاف طبائع الناس في هذا الأمر ، وأخذ عهدا على نفسه أن لا يعذّب أحدا حتّى يبعث فيهم رسولا ، فإذا كان الوحي واحد والغاية متّحدة ، فالإيمان بواحد من الرسل إيمانا صادقا يستدعي الإيمان ببقية المرسلين ، فيكون الإيمان بخاتم المرسلين من جملة الإيمان بهم جميعا ، وكفى بذلك شهادة على نبوّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإنّ الله يشهد للرسول والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ، فلا يضرّه صلىاللهعليهوآله إنكارهم ولا عدم شهادتهم بنبوّته صلىاللهعليهوآله ، وإنّما يضرّوا أنفسهم ، أو يضرّون مجتمعهم ، كما تدلّ عليه الآيات الشريفة.
وبعد إقامة الحجّة عليهم وتذكيرهم بالفطرة المستقيمة ، يعنف السياق على المنكرين وينذر الكافرين ـ الّذين يصدّون عن سبيل الله ويعرضون الناس عن الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوآله ـ سوء العاقبة ويوعدهم أشدّ الوعيد ، فلم يهدهم طريقا إلّا طريق جهنّم.