تبليغ أحكامه عزوجل وتشريعاته المقدّسة ، والإيمان بأنّهم حقيقة واحدة بالنسبة الى الوحي ، بلا فرق بينهم من هذه الجهة إلّا في سعة التكاليف الّتي أنزلها الله تعالى عليهم وضيّقها ، ولكن الوحي واحد ، ولذا عدّد عزوجل ذكر الأنبياء في المقام ؛ لبيان أنّهم وإن كثروا في الأفراد إلّا أنّهم واحد في الوحي كما تقدّم ، ويدلّ على ذلك أنّ الله تعالى حكى عن الّذين استثناهم بقوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ـ الى قوله تعالى ـ (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) الدال على أنّه بمنزل التعليل لإيمانهم.
كما أنّ المستفاد من هذه الآيات الشريفة أنّ من شروط الإيمان الواقعي والرسوخ في العلم ، هو العمل بما علمه الإنسان.
ويستفاد من قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) أنّ الله تعالى من عظيم لطفه بعباده وواسع رحمته أنّه لم يكل الإنسان الى نفسه ، ولم يؤاخذهم بميثاق الفطرة ؛ لعلمه بأنّهم عرضة للهوى والانحراف وانتكاس الفطرة ، فأثبت لهم حقّا قد يطالبوه به يوم الحساب ، مع أنّ له الحجّة البالغة ، فأرسل الرسل لهدايتهم وإرشادهم الى الكمال وتبيّن لهم الفطرة الّتي أودعها الله تعالى فيهم وتبعّدهم عن الفطرة المنحرفة الّتي تصدّهم عن الحقّ.
وتدلّ الآية الشريفة على أنّ هذا الحقّ الّذي أثبته عزوجل لهم لم يكن عن ضعف منه وغلبتهم عليه تعالى ، بل كان عن حكمة متعالية رحمة بهم ، وقد أكّد ذلك بقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ، فهذه الآية المباركة درس عملي تربوي للإنسان بأنه لا بدّ من أن يبذل جهده في أن لا يثبت لغيره حقّا عليه يطالبه به في يوم لا يمكنه الأداء.
كما أنّ قوله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) يدلّ على عظيم فضل ما انزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث تشرّف على سائر ما انزل على الأنبياء العظام عليهمالسلام بأنّه وحي