والمعنى : أنّه روح مخلوقة لله تعالى ؛ بسبب كلمة (كن) التكوينيّة الّتي أودعت في مريم الطاهرة ، لا بواسطة نطفة وتوالد.
والآيات المباركة جميعها تدلّ على أنّ خلق عيسى عليهالسلام كان معجزة ، وقد تحقّق بكلمة (كن) التكوينيّة ، من غير دخل للأسباب العاديّة الّتي يجب أن تتحقّق في خلق سائر أفراد البشر من الأب والنكاح وغيرها ، قال تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٤٧].
إن قلت : إنّ ما سواه تعالى من المخلوقات هي كلمات الله تعالى ، فليكن خلق عيسى عليهالسلام أيضا كذلك ، وإنّما خصّه بالذكر تشريفا.
قلت : كون مصنوعاته تعالى كلماته عزوجل صحيح لا ريب فيه ، إلّا أنّه لا ينافي أن تكون مختلطة بالأسباب العاديّة القريبة والبعيدة المترتّبة في سلسلة التكوين ، فإنّ الله تعالى أبى أن يجري الأمور إلّا بأسبابها. بخلاف خلق عيسى عليهالسلام ، فإنّه كان أمرا خاصّا به تكوّن بسبب كلمة (كن) التكوينيّة الخالصة من الأسباب العاديّة القريبة والبعيدة الّتي يجب تحقّقها في تولّد الإنسان ، فكان خلق عيسى عليهالسلام آية من آيات الله تعالى أودعها في رحم مريم العذراء عليهاالسلام.
إن قلت : إذ كان خلق عيسى عليهالسلام معجزة وخارق العادة ، فلما ذا لم يخلقه عزوجل من دون رحم امرأة وبشارة الملك لها ، فإنّ الله تعالى على كلّ شيء قدير.
قلت : نعم ، ولكن ذكرنا في أحد مباحثنا السابقة أنّ الأمور الخارقة للعادة الّتي تتحقّق بسبب كلمة (كن) التكوينيّة والمعاجز الّتي تقع على يد الأنبياء والأولياء بإذن منه عزوجل ، اقتضت سنّته تعالى فيها أن يجريها في موضوع من الموضوعات الماديّة ويخرجها في هذا العالم ـ عالم الملك والمادّة ـ بالصورة المناسبة لهذا العالم ، ففي خلق عيسى عليهالسلام مثلا هو قادر على أن يخلقه من غير أم ولا نفخ الملك ، ولكنّه عزوجل خلقه من أم بواسطة بشارة ملك ونفخ منه ؛ ليكون بمنزلة الأب ونفخه بمنزلة التلقيح ، كما أنّ خلق ناقة صالح إنّما كان من الجبل ليكون بمنزلة الام ، وكذا تسبيح الحصى في يد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهكذا بقية المعاجز. هذا إن لم