الاحتجاج ما هو المعترف به لدى الخصم ، فيحاج به ويسمّى في علم المنطق ب دليل الاقتناع.
ومادّة (نكف) تدلّ على الامتناع عن الشيء والانقباض منه أنفا وحميّة ، يقال : نكفت الشيء نحيّته ، ويقال : بحر لا ينكف ، أي : لا يبلغ آخره ، وغيث لا ينكف ، أي : لا ينقطع ، ومنه الاستنكاف وهو التكبّر الّذي يكون الترك عن أنفة ، ويتعدّى ب (من) و (عن).
والمعنى : لن يستكبر المسيح عن أن يعبد الله تعالى ، ولن يأنف أبدا أن يكون عبدا له عزوجل ؛ لأنّ العبوديّة لله العظيم شرف له ، وإنّما المذلّة في غيرها ممّن ادّعى الألوهيّة لنفسه الّتي لا يستحقّها. ولا بدّ أن يستنكف عن عبوديّة غيره تعالى.
وإنّما ذكر عزوجل العبوديّة دون غيرها من الألفاظ المرادفة ؛ لأنّ الكلام مع الكفرة الّذين ادّعوا الألوهيّة فيه ورفعوه عن مقام العبوديّة ؛ ولهذا قال عزوجل : (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) ، ولم يقل : عن عبادة الله ، ونحو ذلك.
وتدلّ الآية الشريفة على كمال نزاهته وعدم استنكافه بالكليّة ؛ لأنّها تدلّ على العليّة ، أي : علّة عدم استنكافه هي كونه عبدا لله ، بخلاف التعابير الاخرى الّتي لا تدلّ أكثر من اتّصافه بها ولو كانت مرّة واحدة ، ولا تدلّ على الدوام والتجدّد.
وبعبارة اخرى : أنّ اتّصاف الشخص بالعبادة يكفي فيه أن يكون مرّة واحدة وتحقّقها فيه كذلك ، فعدم الاستنكاف عنها لا يستلزم عدم الاستنكاف عن دوامها ، ويدلّ على ذلك أيضا التعبير عن عيسى عليهالسلام بالمسيح الدالّ على العبوديّة ؛ لأنّه مبارك ولا ريب في أنّ عبادة من يعلم عظمة الله تعالى ويقرّ بأنّه عبد لله أفضل من كلّ عبادة.
قوله تعالى : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ).
عطف على المسيح ، فإنّهم لا يستنكفون عن أن يكونوا عبيدا له عزوجل ،