مأمونا من التحريف ، وهو ينحصر القرآن الكريم الّذي اتّفقت الامة على سلامته وأمنه من كلّ تحريف وبطلان ، فكان معجزة إلهيّة من جميع جوانبه كما هو معلوم.
وأمّا سائر الكتب الإلهيّة ، فقد ثبت تحريفها بأدلّة كثيرة مذكورة في محلّها إلّا أنّ القرآن الكريم لما لم يمكن فهم مقاصده بسهولة ، فلا بدّ أن يرجع في تفسيره وبيان مقاصده إلى من نزل القرآن المجيد عليه الّذي علّمه الله تعالى جميع رموزه وعلّمه من أسرار التأويل ما يزيل كلّ شكّ وريب. هذا موجز الكلام في هذه المسألة المهمة العظيمة وللتفصيل موضع آخر.
ومن جميع ما ذكرناه يعرف أنّ الإله في القرآن الكريم لم يكن أمرا وهميّا كما يدّعيه بعض ، ولا أمرا نسبيا كما يدّعيه آخرون ، بل هو حقيقة واقعيّة ، فهو الإله الواحد الأحد الّذي عرّفه القرآن الكريم بأمور أربعة لا يمكن أن تتحقّق في غيره.
الأوّل : أن يكون الإله واحدا أحدا لا مثل له ولا شبيه ولا ندّ له ، فلو كان غير ذلك لظهر الفساد في الخليفة ، قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٢] ، ولبان الاحتياج في الخالق ، وهو منفي بالوجدان.
الثاني : أن يكون مستحقّا للعبوديّة ؛ لكونه الخالق العظيم العليم الحكيم الغني الّذي لا يستغني عنه غيره وهو مستغن عنه ، قال تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٣] ، وقد ذكرنا ما يتعلّق به في سورة الفاتحة فراجع.
الثالث : أن يكون مستجمعا لجميع صفات الكمال ـ كالعلم والحياة والقدرة ونحوها وإلّا استلزم الخلف ، وتقدّم في آية الكرسي ـ ٢٥٥ من سورة البقرة ما يتعلّق بذلك.
الرابع : أن يكون منزّها عن جميع صفات الجلال ـ كالزمان والمكان والجسميّة ـ وإلّا احتاج الى غيره ، وهو ينافي الألوهيّة.