وأمّا التوحيد ، فقد أودعه في الفطرة الإنسانيّة وأخذ العهد من بني آدم على تثبيته اعتقادا وعملا ، فصار أمرا فطريا لا يقبل الإنكار ، ولا محالة يلجأ إليه الإنسان عند ما تشتدّ به الحاجة وتنجلي عنه ظلمة الجهل مهما كابر وعاند ، وعظّم القرآن الكريم أمر التوحيد ببيان جميع جوانبه ، فأقام أركانه بإثبات الخالق العظيم وبيان صفاته عزوجل ، وذكر قواعدها وبيّن خصوصياتها وقسّمها إلى صفات كماليّة يتّصف بها الباري تعالى ، وصفات جلالية منزّه عنها سبحانه وتعالى ، وذكر من أفعاله وآثاره وإبداعه في خلقه ما يدلّ على علمه الأتمّ وحكمته المتعالية وقدرته التامّة وقهّاريته العظمى وقيّوميته الكاملة ، بحيث لا يدع مجالا للشكّ في وجوده ووحدانيته واستجماعه لجميع الصفات العليا الجماليّة ، فليس كمثله شيء ، وبرّأ ساحته عن مجانسة مخلوقاته مهما بلغت من الكمال ؛ لأنّها خلقه عزوجل يدبّر أمرها ـ إيجادا وإبقاء وإعداما ـ إلّا أنّ مسألة الألوهيّة مع كثرة اهتمام القرآن بها وتبسيطها الى أقرب الحدود ، لكنها لا تخلوا من تعقيدات ؛ لأنّها من الأمور الغيبيّة الّتي يتطرّق إليها الظنون والأوهام ، فلم تنج من شبهات الملحدين وزيغ المبطلين ، فلا بدّ للمؤمن الّذي يعتقد بهذه المسألة الّتي لها الأثر الكبير في حياته الدنيويّة والاخرويّة ، كما يجب على المفكر الباحث أن يستقي المعلومات فيها من عين صافية بعيدة عن كلّ زيغ وضلال.
وقد حدّد القرآن الكريم مصادرها ، وهي إمّا الوحي من الله تعالى العالم بجميع الحقائق ، وهذا خاصّ بمن اصطفاهم الله تعالى وليس لغيرهم نصيب منه. أو يكون رسولا اصطفاه الله تعالى بالرسالة ، وأفاض عليه من أنواع العلوم والمعارف الإلهيّة وحلّة الأمانة الكبرى لتبليغ شرائعه وتعليماته وتوجيهاته إلى الناس ، وأيّده بالمعجزات وخوارق العادات ما تثبت دعاويه ، وهذا يختصّ بالحاضرين في عصره ، فلا يشمل الغائبين المعدومين. أو يكون كتابا سماويا احتوى جميع ما يوجب رقي الإنسان ورشده الى كماله وسعادته في الدارين ، ويشترط فيه أن يكون