القرآن الكريم : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٦] ، وكان هذا أصل الأقانيم الثلاثة والقول بالتثليث.
الثاني : من جهة الاختلاف في صفات الباري جلّت عظمته ، فقيل : إنّ الأقانيم صفات للجوهر القديم وهي الوجود ، والعلم ، والحياة ، وعبّروا عن الوجود بالأب ، والحياة بروح القدس ، والعلم بالكلمة ، وهذا القدر من التفسير لا يدلّ على الشرك ، وإن كان باطلا من جهة اخرى كما لا يخفى على الخبير ، فإنّ الصفات مهما كثرت ، فإنّها عين ذاته المقدّسة ، وكذا تفسيره بما ذكروه.
وقيل : إنّ الأقانيم غير الجوهر القديم ، وإنّ كلّ واحد منها إله ، فصرّحوا بالتثليث ، فكلّ واحد إله قديم حقيقة ، وإنّ الله ثالث ثلاثة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، وهذا يدلّ على الشرك في الذات ، وهو باطل كما هو معلوم.
وقيل : إنّ الله تبارك وتعالى واحد والأقانيم الثلاثة ليست غير ذاته ولا نفس ذاته ، وإنّ الاتّحاد كان بمعنى الإشراق كما عرفت آنفا ، وهذا باطل ولم يعرف له وجه أبدا.
وقيل : إنّ الله تعالى واحد وهو الأب ، والمسيح كلمة الله تعالى وابنه على طريق الاصطفاء ، وهو مخلوق قبل العالم ، وهو خالق للأشياء كلّها ، وهذا يدلّ على الشرك في الفعل وهو باطل أيضا ، كما يدلّ على قدم الحادث وهو فاسد.
والمعروف بينهم أنّ الله تعالى هو الواحد الأب صانع كلّ شيء ومالك كلّ شيء وفاعل ما يرى وما لا يرى ، وأنّ المسيح ابن الله تعالى الواحد بكر الخلائق كلّها ، الّذي ولد من أبيه قبل العوالم كلّها وليس بمصنوع ، إله حقّ من إله حقّ من جوهر أبيه الّذي بيده اتّقنت العوالم وخلق كلّ شيء ، الّذي من أجلنا ـ معاشر الناس ـ ومن أجل خلاصنا نزل من السماء واتّحد مع روح القدس ومريم وصار إنسانا وحبلت به وولد من مريم البتول ، وهذا القول باطل ، لاستلزامه انقلاب الحقائق ، وتعدّد القدماء ، وقدم الحادث.
الثالث : من جهة خلق عيسى عليهالسلام من غير أب وصدور المعجزات الّتي