استكماله ، فذكرت كثيرا من الأحكام العمليّة الفرديّة والاجتماعيّة والتربويّة الّتي لها الأثر الكبير في تهذيب النفوس وإصلاحها وتزيينها بالأخلاق الفاضلة.
ويمكن بحقّ أن تسمّى هذه السورة بسورة الأحكام والمواثيق ؛ لأنّها اشتملت على أمهات التكاليف في الأصول والفروع ، ويكفي شاهدا على ذلك أنّه ذكر فيها أهمّ موضوع بعد التشريع ، وهو الاعتناء ببقاء الشريعة ودوامها ، فذكرت بأسلوب رصين له وقع كبير في النفوس.
كما سمّيت السورة بسورة الأحبار ؛ لقوله تعالى فيها (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) ، وهم العلماء.
ولعلّ الابتداء بالدعوة إلى الوفاء بالعهود وحفظ المواثيق ، وتخصيص الخطاب بالمؤمنين وذكرهم في مفتتحها وفوزهم بشرف النداء الربوبي ؛ لأنّهم استعدّوا بعد الجولة الطويلة معهم له وعرفوا عظيم هذا الأمر في بقاء الشريعة الختميّة وحفظها من كيد الأعداء والضياع.
مع أنّ ذلك من أجمل براعة الاستهلال المعروفة في علم البديع ؛ لأنّ فيها تلقين النفوس وترويضها على قبول هذا الحكم الإلهي ؛ لأنّه من كمال الدين وإتمام النعمة.
والآيات الاولى منها تشتمل على جملة من الأحكام العمليّة الّتي تتعلّق بالنظام العامّ والحجّ ، وابتدأ عزوجل بالدعوة إلى الوفاء بالعقود الّتي هي أساس كلّ تكليف إلهي ، فإنّ التكاليف عهود ومواثيق بين الله تعالى وبين عباده ، ومن جملتها العقود الدائرة بين الناس ، فيجب الوفاء بها.
كما أنّه سبحانه وتعالى أمرهم بالتعاون على البرّ والتقوى ، الّذي هو من الدعائم القويمة في الإسلام ، وأساس كلّ خير وفضيلة ، وحذّرهم عزوجل من التهاون بهذا الأمر ، وأمرهم بالتقوى بالايتمار بأوامر الله تعالى والانتهاء عن مناهيه ، فإنّه شديد العقاب لا يغفل عن عقاب العاصين.