الشريعة ، ولها مصاديق كثيرة مثل البيع والإجارة والصلح وغير ذلك ، سواء أكانت فرديّة أم اجتماعيّة.
اللهمّ إلّا أنّ في احترام العهود الاجتماعيّة بسط العدل على وجه الأرض وانتظام شؤون الناس وتحقيق سعادتهم ، وفي نقضه هدم كيان الامة والسبب في شقائها ، وحرمانها عن الترقي بالوصول الى الكمال ، وعلى أية حال يحرم نقض العهد مطلقا إلّا ما أذن الشارع ـ الّذي هو عالم بالمصالح والمفاسد ـ في نقضه.
وممّا ذكرنا يظهر وجه الضعف في كثير ممّا نقله المفسّرون في المقام ، فقد قال بعضهم : إنّ المراد من العقود الّتي كانت في الجاهليّة يعاهد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة على من يبغي عليهم أو يقصدهم بسوء ، ونقل بعض أرباب التواريخ أنّها كانت كثيرة جدا ، ولعلّ تكرار ذكره في القرآن الكريم لأجل أنّه كان شائعا في عصر نزوله.
وقال آخرون : إنّ المراد بها هي الّتي يتعاقدها الناس ـ كعقد البيع والإجارة ، والمضاربة ، والنكاح ، أو ما يعقدها الإنسان على نفسه ، كعقد اليمين والنذر والعهد.
وقال ثالث : إنّ المراد بها المواثيق المأخوذة من أهل الكتاب بالعمل بالتوراة والإنجيل ، وغير ذلك ممّا ذكره أرباب التفاسير.
والحقّ أنّ جميع ذلك خلاف ظاهر الآية الكريم ، وتخصيص لها بغير دليل يقنع العقل به أو يكون منقولا شرعيا.
واستظهر الزمخشري وتبعه آخرون : أن يكون المراد عقود الله تعالى عليهم في دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه ؛ لما فيه من براعة الاستهلال ، ومن التفصيل بعد الإجمال.
ولا يخفى أنّ ما ذكره وإن كان وجيها ، إلّا أنّه لا ينافي التمسّك بعموم اللفظ والحكم بأنّه يعمّ جميع ما ألزمه الله تعالى على عباده وعقد عليهم من التكاليف والأحكام وما يعقدونه بينهم من العقود والعهود وغيرهما مما يجب الوفاء بها ، فإنّ به يجمع بين ما يقتضيه اللفظ من الوجه الأدبيّة البلاغيّة ، ومن المقصود الظاهر من الكلام.