من فطرته لا يمكن العيش بدونهما ـ فحقيقته مركب من اصول ، وأحكام ، وروابط هي أسس له ، يقوم الاجتماع والمجتمع عليها ، فهي كلّما كانت متقنة ـ بمعنى كونها مأخوذة من مصادر غير قابلة للخطأ والانزلاق ـ كان المجتمع أقرب الى الكمال المنشود ، وهذا غير قابل للإنكار.
وأفراد المجتمع الّذين يريدون تهذيب مجتمعهم وسوقه إلى السعادة وحفظه عن التمزّق والانهيار ، يرجعون في بادئ الأمر الى أسسه وقواعده ، أي : السلطة التشريعيّة ، ومن ثمّ الى السلطة التنفيذيّة ؛ لأنّ الثانية مهما بلغت من القوة وطال زمانها لا تغيّر الاجتماع الّذي يهبط الى السوء أو منه الى الأسوء بعد فساد ركائزه وقواعده ، بل هي من أهمّ الموانع في الوصول الى الكمال ، فيترقّب الأفراد الفرص للنيل من المجتمع وزعزعته وإفساده.
وأمّا لو كانت الأسس والقواعد مستندة الى الفطرة الّتي كشف عنها خالق السماء ، فإنّ الدوافع لحفظها كثيرة والدواعي لمخالفتها قليلة ، وإن السلطة التنفيذيّة ليست بمانعة ؛ لأنّ عقاب الضمير والتأنيب النفسي والشعور بالمسؤولية أمام العدل الواقعي ـ مع قطع النظر عن الجزاء ـ أكبر محفّز وأعظم داع لحفظ القوانين ؛ ولذلك ورد في الروايات الكثيرة الحثّ على إبلاغ الأحكام ، وأنّ العلماء مسؤولون أمام الله في علمهم الّذي يوجب الخير والسعادة ، وفي خطبة نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله بمنى : «ألا ليبلغن الشاهد منكم الغائب ، فلعلّ من يبلغه أوعى له من بعض من سمعه» ، فنشر العلم وبيان الأحكام وبثّ مكارم الأخلاق ، من أهمّ الأحكام الاجتماعيّة الّتي أراد الله تعالى الاحتفاظ بها ، ومن أسمى مصاديق الإعانة على البرّ ، بل إنّ إصلاح الشخص نفسه ولو بطلب العلم يكون منها ؛ لأنّ حقيقة الإعانة غير متقوّمة بالاثنيّة ، كما في قوله عليهالسلام : «من أكل الطين فقد أعان على نفسه» ، كما تقدّم في الفقه. وإنّ نشر الأخلاق الفاسدة والأهواء الباطلة ، والحثّ على مخالفة الأوامر الإلهيّة ، وارتكاب نواهيه وغيرها ممّا يوجب فساد المجتمع وإيقاعه في الهلاك ، هو المصداق الحقيقي للإعانة على الإثم المنهي عنها فطرة وشرعا.