نُصُبٍ يُوفِضُونَ) [سورة المعارج ، الآية : ٤٣] ، أي : إلى علم منصوب يسبقون إليه ، ومنه نصب الشيء ، أي : وضعه وضعا ثابتا كنصب الرمح والبناء والحجر ، والنصيبة والنصيب كلّ ما نصب وجعل علما ، وجمعه نصائب ونصب (بضمتين) ، والنصوب علم ينصب في الفلاة ، ومنه النصب (بالفتحتين) والنصب (بالضم) أو (بالضمتين) التعب ، قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [سورة ص ، الآية : ٤١] ، فإنّه علامة لداء وشرّ وبلاء.
والنصب (بضمتين) قيل : جمع نصاب ، كحمر جمع حمار ، وقيل : واحد الأنصاب كطنب وأطناب ، وهي ما نصب وعبد من دون الله تعالى ويذبحون لها وعليه. ومنه شعر الأعشى يمدح النبي صلىاللهعليهوآله :
وذا النصب المنصوب لا تنسكنّه |
|
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا |
والمراد من الآية الشريفة النهي عن أكل لحوم ما ذبح على النصب الّذي كان من سنن الوثنيّة ، فإنّهم كانوا ينصبون حول الكعبة أحجارا يقدّسونها ويذبحون عليها لتعظيمها ، وكان ملونا بدم الذبائح ، وهي غير الأصنام ، وفي حديث إسلام أبي ذر : «فخررت مغشيا عليّ ثمّ ارتفعت كأنّي نصب أحمر» ، يريد أنّ المشركين ضربوه لأجل إسلامه حتّى ادموه فصار كالنصب المحمر بدم الذبائح حول الكعبة ، مثل ما كان المجوس يذبحون لبيوت النيران.
و (على) سواء كانت بمعنى اللام أم على أصلها ، فإنّه لا يضرّ بأصل المعنى لأنّهم كانوا يقدّسون الأصنام ويذبحون عليها ولها.
وذكر بعضهم أنّ هذا تكرار لقوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ). والحقّ أنّه غيره ، فإنّه الذبح على الأحجار لغرض تقديسها ، وأما الإهلال لغير الله عزوجل ، فإنّه الذبح باسم أحد معبوداتهم ، حتّى أنّ بعض القضاة أفتى بتحريم ما يذبح عند استقبال السلطان تقرّبا إليه ؛ لأنّه ممّا اهلّ لغير الله به ، وإن كان ذلك بعيدا جدا ؛ لأنّ الذبح كذلك للاستبشار بقدومه ، والشكر لله لسلامته كذبح العقيقة مثلا.
وكيف كان ، فيمكن أن يكون المقام أخصّ ، فما أهلّ لغير الله به قد يكون