ذلك أنّ تشريع الحجّ لم يكن موجبا لإيئاس الكفّار وانقطاع الرجاء عن هذا الدين كما هو معلوم ، فتنقطع الرابطة بين الجملتين ، وهو خلاف ظاهر الآية الشريفة.
الثاني : أن يكون المراد به إكمال الدين بنزول بقايا الحلال والحرام في هذا اليوم ، فلا حلال بعده ولا حرام ، وبه استولى اليأس على الكفّار وانقطع رجاؤهم عن هذا الدين.
وفيه : مضافا الى ما أورد على سابقه أنّ الأحكام لم تكمل يوم عرفة ، فقد نزلت بعده عدة أحكام كآية الصيف وآيات الربا ، كما دلّت عليه جملة من الأخبار.
مع أنّ الكفّار الّذين انقطع رجاؤهم واستولى اليأس على نفوسهم ، هل هم مشركوا قريش؟ فقد كانوا كذلك قبل نزول هذه الآية المباركة ، أم مشركوا العرب؟ فقد خابوا عند نزول سورة براءة ، أم الكفّار مطلقا من غيرهم؟ وقد عرفت أنّهم لم يكونوا آيسين يومئذ من الظهور على المسلمين.
الثالث : أن يكون المراد به إكمال الدين بتخليص بيت الله الحرام من رجس الوثنيّة ، وبراثن الشرك ، وإجلاء المشركين عنه وخلوصه لعبادة الله الواحد الأحد.
وفيه : أنّ الأمر كان كذلك بعد فتح مكّة قبل هذا اليوم بسنة ، يضاف الى ذلك أنّ تسمية مثل ذلك كمالا للدين وإن كان فيه إتمام للنعمة مشكل ، فإنّ الدين مجموعة من الاعتقادات والتوجيهات والإرشادات القيمة الّتي توجّه الإنسان إلى الصراط المستقيم وتعدّه إعدادا علميّا وعمليّا وعقائديّا لنيل الكمالات الواقعيّة ، وليس في فتح مكة من الأهميّة العظمى الّتي يكون بها إكمالا للدين كلّه ، وإن كان له أهميّة من النواحي الاخرى الّتي لا يستهان بها كما هو معلوم.
على أنّ إشكال يأس الكفّار يأتي في هذا الاحتمال أيضا ، كما هو واضح.
الرابع : أن يكون المراد به إكمال الدين ببيان المحرّمات بيانا تفصيليّا ، بعد أن ذكرت على سبيل الإجمال في بعض السور المكّية ، لئلّا ينفر العرب من هذا الدين ويمتنعوا عن قبوله ، وليكون المسلمون على بصيرة منها فيجتنبوا عنها عن علم ومعرفة واطمئنان من دون خشية من الكفّار ، فإنّهم يئسوا من هذا الدين بعد