ومن ذلك يعرف أنّ الإسلام الّذي هو مجموعة تشريعات ووظائف وأحكام وتوجيهات وإرشادات أنزلها الله تعالى لغرض إعداد الإنسان إعدادا علميّا ، وعمليّا ، وعقائديّا ؛ ليكون عبدا قائما بوظائف العبوديّة ، ومن المعلوم أنّه لا يتمّ ذلك إلّا بالدخول في ولايته تعالى وولاية رسوله صلىاللهعليهوآله وأوليائه عليهمالسلام بعده بالطاعة لهم والعمل بما جاء به الدين ، كما قال عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [سورة النساء ، الآية : ٥٩] ، فيكون اليوم الّذي أتمّ الله النعمة على المؤمنين هو اليوم الّذي شرّع فيه ما يكون موجبا للدخول في ولاية الله تعالى وولاية رسوله الكريم ، ومتمّما لهاتين النعمتين العظيمتين ، وهو اليوم الّذي فرض فيه ولاية أولياء الله تعالى بعد الرسول صلىاللهعليهوآله ، الّذين بهم تقام أركان الدين ويبسط العدل ، ويحمى دين الله تعالى ، فهم القيمون على الشريعة بعد أن كان القيّم عليها رسول الله صلىاللهعليهوآله الّذي كان مؤيّدا بوحي إلهى ، فإذا انقطع لا بدّ من أن يقوم مقامه أحد في هذه المهمة العظيمة وتتمّ به ولاية الله تعالى وولاية الرسول الكريم ، وبه أيس الكفّار عن هدم هذا الدين ، ورضى الله تعالى بهذا الدين إسلاما.
وممّا ذكرناه يعرف أنّ هذه الولاية لها أساس تشريعي به كمل الدين في تشريعه ، وأساس تكويني به تمّت النعمة وكان لها الأثر العميق في أمن المؤمنين بعد خوفهم ليعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، ولعلّه الى ذلك يشير قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [سورة النور ، الآية : ٥٥] ، فإنّ هذه الآية المباركة تشير بوضوح الى ما سيتحقّق من الوعد الّذي وعده عزوجل به في آية المقام بتشريع ما يكمل به الدين وتتمّ به النعمة وييأس الكفّار ويأمن المؤمنون بعد خوفهم ، فتكون هذه الآية المباركة من مصاديق آية سورة النور الّتي هي أسبق نزولا من سورة المائدة.