حلية اللحوم أن تستطيبه الطباع المعتدلة ، لا ما يكسبه الطبع بحكم المجاورة والعقيدة وبعض العادات السيئة ، فإنّ الطبع شديد التأثّر بهذه الأمور ، فلا يستشكل بأننا نرى الأقوام تأكل أشياء تعدّ في الشريعة الإسلاميّة من المنفّرات ، وممّا يستقذره الطبع ، فإنّ الإسلام يرى الطبع المعتدل الّذي لم يتأثّر بالعوامل الخارجيّة ، ثمّ لم يجعل ذلك على الإطلاق ، فقد قيّدها بأن تكون اللحوم من ذوات الأربع ، وخصّصها ببهائم الأنعام فقط ، ومع ذلك فقد نزّه عن أكل بعضها كالفرس والحمار ؛ لحكم كثيرة ، فخرج بذلك السباع والوحوش.
وأمّا الطير ، فقد خصّصه بغير الجوارح ، واشترط فيه أن يكون فيه حوصلة ، وأن يكون دفيفه أكثر من صفيفه.
وأمّا حيوان البحر ، فاشترط أن يكون فيه الفلس ، فاختصّ ببعض أنواع السمك ، وأن لا يموت في ما هو حياته فيه كما فصّلناه في الفقه.
فكانت هذه الشروط علامات لتمييز النافع للإنسان عن الضار ، فاجتمع في التشريع الإسلامي الجانب المادّي ـ وهو مراعاة النفع وعدم الضرر ، وعدم استقذار الطبع ـ والمعنوي وهو حفظ الفطرة المستقيمة عن الانحراف وتصحيح الفكر وابقائه على الاستقامة وعدم تلوّث النفس الإنسانيّة بأمور تفسدها وتصرفها عن نيل الكمالات الواقعيّة.
ولعلّ اهتمام الشرع الإسلامي بطعام الإنسان ؛ لأجل تأثيره الكبير في نفسه ، فإنّه إذا كان خيّرا وطيّبا فتتأثّر النفس والفطرة به ، فتكون طيبة وتستعدّ لنيل الكمال ، وإلّا فسدت وخرجت عن حدّ الاستقامة.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) على أنّ ذكر اسم غير الله يوجب حرمة الذبيحة ، سواء كان الذابح مسلما أم كافرا.
وذكر بعضهم أنّه يفهم من ذلك كلّما ذكر اسم الله تعالى عليه حلّ أكله ، سواء كان الذابح مسلما أم كافرا ، فيدخل فيه ذبائح أهل الكتاب ، فتكون على القاعدة.