التفسير
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ).
تفصيل بعد إجمال ما ذكره عزوجل في قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) إثر بيان المحرّمات ، إلّا أنّ السؤال مطلق يشمل كلّ المحللّات من الطعام واللحوم. والجملة حكاية عن قولهم ، فالسؤال يتضمّن معنى القول ، وضمير الغائب (لهم) لأجل مراعاة ضمير الغائب في (يسألونك) ، ويجوز في مثل ذلك مراعاة اللفظ والمعنى كليهما ، فيقال مثلا : أقسم زيد لأفعلن كذا ، أو ليفعلن كذا ، فاندفع بذلك ما قيل إنّ السؤال ليس ممّا يعمل في الجمل.
قوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ).
جواب عامّ يتضمّن الضابط الكلّي الّذي يميّز به الحلال من الحرام في المطاعم والمآكل.
والطيبات : جمع الطيب ، وهو ما تستلذّه النفس والحواس ، ويقابله الخبيث ، قال تعالى : (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) [سورة المائدة ، الآية : ١٠٠] ، ويستعمل في الأمور الماديّة والمعنويّة ، وفي الحديث أنّه صلىاللهعليهوآله قال لعمّار : «مرحبا بالطيب المطيّب» ، وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ، قال تعالى : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) [سورة النور ، الآية : ٢٦] ، وقال تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) [سورة النساء ، الآية : ٣] ، وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٢٤] ، وقال تعالى : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سورة سبأ ، الآية : ١٥].
وإطلاقه في المقام من غير تقييده بشيء للإعلام بأنّ المعتبر في تشخيصه الأذواق المتعارفة المستقيمة ، فما يستطيبه العرف العامّ السليم البعيد عمّا يصرفه عن الجادة المستقيمة ، فهو طيب ويكون حلالا ، كما عرفت في الآية الشريفة السابقة.