وأشكل عليه : أوّلا : بأنّ آية المقام واردة مورد الامتنان والتخفيف ، ومثل ذلك لا يقبل النسخ.
وثانيا : أنّ الآيات الكريمة الّتي يدّعى نسخها لآية المقام ، هي أسبق نزولا من هذه الآية الشريفة ، فإنّ الاولى وردت في سورة البقرة الّتي هي أوّل سورة مفصّلة نزلت بالمدينة ، والثانية وردت في سورة الممتحنة وكلتاهما قد نزلتا قبل سورة المائدة ، فإنّها آخر ما نزلت على النبي صلىاللهعليهوآله كما تقدّم في أول سورة ، فنسخت ما قبلها ولم ينسخها شيء.
وثالثا : أنّ الآيات الشريفة الناسخة أجنبيّة عن المقام ، فإنّ آية البقرة تدلّ على حرمة نكاح المشركات ، وأهل الكتاب ليسوا مشركين ، وعلى فرض دخولهم في عداد المشركين يجب أن تكون آية المائدة مخصّصة لآية البقرة ، فيستثنى أهل الكتاب من عمومها.
وأمّا آية الممتحنة ، فهي أجنبية عن المقام بالكلّية ، فإنّها تدلّ على حرمة نكاح النساء المشركات اللواتي أسلم أزواجهن على شركهن ، وعلى فرض التنزيل فيأتي فيها ما ذكرناه في آية البقرة أيضا ، فتكون آية المائدة ناسخة لها لا العكس ؛ لأنّ النسخ شأن المتأخّر.
ومن ذلك يعلم أنّه لا بدّ من حمل ما ورد في بعض الروايات من النسخ على ضرب من التأويل ان أمكن ، وإلّا فيردّ علمها الى أهله.
ويمكن المناقشة في ذلك ، أمّا الأوّل : فلأنّ ورود حكم مورد الامتنان والتخفيف لا يصير موجبا للقول بعدم النسخ ، فكم من حكم ورد في الشرع مورد التخفيف والامتنان وقد نسخ بحكم آخر غيره كما هو واضح.
وأمّا الثاني : فقد تقدّم في بحث النسخ أنّه لا يشترط فيه أن يكون الناسخ متأخّرا والمنسوخ متقدّما في النزول ، فقد يتّحدان في النزول وقد يكونان بالعكس ، فإنّ الأحكام الشرعيّة مبنيّة على حكم ومصالح متعدّدة ، وما ورد من أنّ سورة