إليها ، فينحصر طعامهم في بعض الأمور ولا تشمل جميع أطعمتهم.
وفي هذا الحكم من وجوه الحكمة ما لا يخفى ويكفى فيها الإشعار بأنّ الإسلام دين التسامح والتعاطف ، وذكر تعالى في الآية الشريفة الثانية ما يتعلّق بالركيزة الثانية ، وهي الزواج الّذي اعتنى به الشرع المبين ، ولأهمّيّته ذكره عزوجل في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، وبيّن جميع جوانبه المادّية والمعنويّة ، وقد قارن عزوجل في المقام نساء المسلمات مع نساء أهل الكتاب الّذي طالما أراد أعداء الإسلام أن يتّخذوه ثغرة لينقضوا منها عليه ، ويتّخذوه ذريعة في نشر الفاحشة في المؤمنين وافتتان المؤمنات ، وبعث الدعارة فيهن ، وبالأخرة تشويه هوية هذا الدين العظيم ، وقد أحلّ عزوجل التزويج بالكتابيات ليسدّ الذرائع الى الدخول في الفتنة والحرام ، وأحكم هذا التشريع بوجوه عديدة فبيّن تعالى :
أولا : أنهن من أهل الكتاب كما أنّكم منه ؛ لرفع الحزازة من الاختلاط بهنّ ، ثمّ اشترط الالتزام بإعطاء المهر لهنّ ، ليكتمل الزواج من الناحية الشرعيّة.
وثانيا : بيّن عزوجل أنّه لا بدّ أن يكون القصد هو إحصان النفس والتعفّف عن الحرام ، لا مجرّد التسلّط عليهن والابتزاز من حقوقهن والظلم عليهن والإهانة بحبسهن في البيوت من دون الوصول إليهن ، ولا إطلاق زمامهن ليسرحن مع الرجال في كلّ مكان فيمارسن كلّ أنواع المحرم ويتّخذ الرجال الصويحبات في السرّ والعلن.
ثمّ ختم الكلام بتهديد شديد ؛ للإعلام بأنّ تلك الأحكام وإن كانت أحكاما امتنانيّة تسهيليّة ترخيصيّة إلّا أنّه لا بدّ من حفظ حدود الله تعالى فيها ، وعدم التجاوز والتعدّي عنها ، فإنّه يعتبر كفرا بالإيمان الّذي التزم المؤمن أن يعمل بأركانه ، فمن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ويكون عاقبة أمره الخسران ؛ لأنّه انقطع عن كلّ ما يوجب الزلفى والقرب لديه تعالى.
وكان لهذين التشريعين الأثر الكبير في نفوس أهل الإيمان ، حيث رفع الحظر المفروض عليهم من الاختلاط مع أهل الكتاب والتعامل معهم ، فكان ذلك وسيلة