الفرقان ، الآية : ٢٣] ، والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، والدليل العقلي يدلّ على ذلك أيضا ؛ لأنّ العمل لم يضف إليه عزوجل ، وكان قصد العامل منه طلب الماديّة والأجر الدنيوي ، فلا معنى للجزاء الاخروي ، إذا المقتضي للثواب لم يكن موجودا.
الثاني : أن تكون الأعمال اخرويّة ، كالصلاة والصوم والحجّ ، ولكن لم يقصد عاملها وجه الله تعالى ، كما في الأعمال الريائيّة ـ نستجير بالله عزوجل منها ـ فحكمه حكم القسم الأوّل بعين ما تقدّم من الأدلّة ، ففي الحديث : «انّه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له : بم كان اشتغالك؟ يقول : بقراءة القرآن ، فيقال له : قد كنت تقرأ ليقال لك قارئ وقد قيل ذلك ، فما لك منّا أجر».
الثالث : أن تكون أعمالا صالحة وبإزائها سيئات ، فهذا القسم هو محلّ البحث ، فعن جمع بالحبط وعن آخرين بالتكفير ، قال تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [سورة هود ، الآية : ١١٤] ، وقال تعالى في وصف التائبين من الأعمال السيئة : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [سورة الفرقان ، الآية : ٧٠] ، والثاني هو الأقرب الى رحمته وغفرانه ، كما ذهبت الإماميّة الى ذلك.
نعم ، يمكن أن يقال : إنّ بعض المعاصي المتوغّلة في البعد عنه جلّت عظمته ـ كالشرك وجحود الإيمان ـ يوجب الحبط إن لم تتعقّبه التوبة ويتدارك بالأعمال الصالحة.
وفي تفسير علي بن إبراهيم في قول الله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) قال : «من آمن ثمّ أطاع أهل الشرك ، فقد حبط عمله وكفر بالإيمان».
أقول : لا بدّ وأن تكون الإطاعة عن عقيدة ، وإلّا فلا توجب الحبط كالإطاعة عن كره وتقيّة.
وفي تفسير العياشي عن هارون بن خارجة ، قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)؟ قال فقال : من ذلك ما اشتقّ فيه».