مجالستهم هو أوّل خطوات النهي عن المنكر الّذي يجب على المؤمنين ، فإن لم يفعله رهبة أو مجاملة فقد خالف أمر الله تعالى ووضع قدمه على المنزلق الّذي يؤدّي به إلى الكفر ثمّ الهلاك وسوء العاقبة.
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ).
تعليل للمنهي عنه وفيه تقريع شديد وتحذير كبير ينزعج منه الحسّ ، وبيان لعاقبة أمرهم إن لم ينتهوا عن مجالسة أعداء الله تعالى ، فإنّ المؤمن لو لم يحسم أمره معهم منذ الخطوة الاولى لانزلق معهم ووقع في الهاوية ، وقد حذّر الله تعالى المؤمنين من الاستهانة بأحكام الله تعالى. وقد سجّل عزوجل على الأمم السابقة ـ لا سيما اليهود ـ هذا الأمر ووبّخهم أشدّ توبيخ ولعنهم ، فإنّ قبح الاستهانة بالمولى ـ لا سيما الله تعالى وأحكامه ـ ضروري عقلي ، فيعمّ جميع الأمم ، قال تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٧٨ ـ ٧٩].
والمثليّة تارة : تتحقّق في الكفر إن كان القعود مع الكافرين ويستلزم الموالاة والرضا بمعتقداتهم وأعمالهم. واخرى : تتحقّق في الإثم إن لم يكن القعود كذلك. هذا إن لم تكن ضرورة في الاجتماع ، وإلّا فالضرورات تبيح المحظورات.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً).
وعيد للفريقين المنافقين الموالين للكافرين المستهزئين بآيات الله تعالى ، وتعليل لكونهم مثلهم ؛ لأنّ ذلك يستلزم اشتراكهم في العذاب.
وأقيم المظهر مقام المضمر تسجيلا لنفاقهم ، وبيانا لعلّة استحقاقهم للعذاب ، وبيانا لصفة من صفات المنافقين وهي مراقبة إخوان المؤمنين لينتفعوا بها على حسابهم ، كما هو شأن كلّ مخادع لم تكن مصاحبته عن صدق وإخلاص ، وهذه من أظهر صفات المنافقين وأجلاها.