وصالحا ينبئ عن أنّ بعض عقائده يرضى الشارع به ، فيجازيه عزوجل إمّا في هذه الدنيا ، أو في عالم البرزخ ، أو في عالم الخلود ، كما في الروايات الصادرة عن المعصومين عليهمالسلام ؛ ولقاعدة : «العدل والإنصاف».
وبتعبير آخر : العمل إن كان مصدره عن عقيدة وثبات في الرأي ينال جزاءه المناسب له ، مؤمنا كان العامل أو كافرا ، وأنّ الانحراف في العقيدة لا يوجب التأثير في أصل الجزاء وإن اختلفت كيفيّته.
وأمّا جزاء أعمال المنافق ، فالمستفاد من الآيات الشريفة والسنن المطهّرة أنّ أعماله الحسنة لا تفيده أصلا ـ لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة ـ لأنّها لم تصدر عن عقيدة راسخة ونهج معترف به ، قال تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) ، أي : المنافق لا ينال جزاء المؤمن ولا ينال جزاء الكافر في أعماله الصالحة ، فيكون المنافق أسوء حالا من الكافر ، قال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) ، ولم يرد هذا التعبير أو ما ينزل تلك المنزلة بالنسبة الى الكفّار وإن كان الكافر يرد جهنّم أيضا ، قال تعالى : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٨].
وأمّا قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) الّذي يستفاد منه التسوية في العذاب ، فباعتبار أصله لا باعتبار مراتبه ودرجاته ، فعذاب المنافقين أسوء وأشدّ كما تقدّم في الآية الكريمة السابقة.
إن قلت : مقتضى الآيات المباركة أنّ الجزاء تابع للعمل سواء كان العامل مؤمنا أو كافرا أو منافقا ، قال تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة ، الآية : ٧ ـ ٨] ، خصوصا على القول بأنّ الجزاء والثواب من الآثار الوضعيّة للعمل ، وإن كانت تختلف باختلاف العقيدة.
قلت : المراد من العمل في الآية الشريفة العمل الصادر عن عقيدة وإرادة ـ لا كلّ عمل ـ والمفروض أنّ المنافق لم يكن له عقيدة ؛ لأنّه مذبذب ومزدوج ، فله صورة العمل وهيكله.