لأمور :
١ ـ ان السكوت ـ لو شكل إجماعا ـ لا يدل على الموافقة على المصدر الّذي كان قد اعتمده المفتي أو الحاكم بفتياه أو حكمه ، وبخاصة إذا كان هو نفسه غير جازم بسلامة مصدره ، كقول أبي بكر السابق : «أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان». وكذلك قول ابن مسعود المتقدم ، إذ لو كانا عالمين بسلامة مصدرهما وصحته لقيام الدليل القطعي على حجيته لديهما ، لما صحّ نسبة استنادهما عليه حتى مع الخطأ إلى الشيطان.
وأصرح من ذلك ما ذكره عمر في هذا المجال حيث قال : «اتهموا الرّأي على الدين ، فلقد رأيتني وإني لأرد أمر رسول الله برأيي أجتهد ولا آلو وذلك يوم أبي جندل والكتاب يكتب ، فقال رسول الله : اكتبوا باسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : تكتب باسمك اللهم ، فرضي رسول الله وأبيت ، فقال : يا عمر تراني قد رضيت وتأبى» (١).
على أن منشأ السكوت قد يكون هو المجاملة أو الخوف أو الجهل بالمصدر ، فدفع هذه المحتملات وتعيين الإيمان بالمصدر وهو حجية الرّأي من بينها لا يتم إلا بضرب من القياس المستند إلى السبر والتقسيم أو غيره من مسالك العلة ، وهو موضع الخلاف ، ولا يمكن إثباته بالإجماع للزوم الدور بنفس ما مر من التقريب في نظائره من الأدلة السابقة.
٢ ـ ان هذا الإجماع معارض ـ لو تم ـ بإجماع مماثل على الخلاف ادعاه بعضهم (٢) ، ويمكن تقريبه بمثل ما قربوا به ذلك الإجماع من أن الصحابة أنكروا على العاملين بالرأي والقياس ، أمثال قول أمير المؤمنين علي عليهالسلام : «لو كان الدين
__________________
(١) ابن حزم في إبطال القياس : ص ٥٨.
(٢) المحلى : ١ ـ ٥٩.