بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) هو قدحهم في أهل الإيمان من حيث إيمانهم ، وتزيين ما هم عليه من الباطل ، ومداخل الشيطان إلى نفوس العالم كثيرة ، وهو يستدرج كل طائفة من حيث ما هو الغالب عليها ، فإنه عالم بمواقع المكر والاستدراج ، وقد أعطاك الله في العامة ميزان الشريعة ، وميّز لك بين فرائضه ومندوباته ومباحه ومحظوره ومكروهه ، ونص على ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله ، فإذا خطر لك خاطر من محظور أو مكروه فتعلم أنه من الشيطان بلا شك ، فوحي الشيطان هو ما يزينه من الأعمال وإن كان لها وجه إلى الحق ، فالمعدن خبيث ، يروى أن إبليس جاء إلى عيسى عليهالسلام فقال له : قل لا إله إلا الله ، فهذه كلمة حق من معدن خبيث ، فقال له عيسى عليهالسلام : يا ملعون أقولها لا لقولك وأمرك. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) اعلم أن المهانة حقيقة العالم التي هو عليها ، لأنه بالذات ممكن فقير ، فهو ممنوع من نيل جميع أغراضه وإرادته منعا ذاتيا ، ولا يحجبنك وقوع بعض مراداته ، ونيل بعض أغراضه ، عما قلناه في حقه ، فإن ذلك ما وقع له إلا بإرادة الحق لا بإرادته ، فذلك المراد وإرادة العبد معا إنما هما واقعان بإرادة الحق ، فهو ممتنع بالذات أن يكون شيء في الوجود موجودا عن إرادة العبد ، ولو كان لإرادة العبد نفوذ في أمر خاص لعم نفوذها في كل شيء ، لو كان ذلك المراد وقع لعين إرادة الممكن ، فتعين أن ذلك الواقع وقع بإرادة الله عزوجل ، فالعالم ممنوع لذاته كما هو ممكن مهان لذاته ، وإنما كان مهانا لذاته لأن العبودية له ذاتية ، وهي الذلة ، وكل ذليل مهان ، وكل مهان محتقر ، وكل محتقر مغلوب (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) فجعلهم أهل افتراء على الله.
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (١١٣)
فالسامع إذا كان سريع الانفعال لما يسمع فيجب عليه عقلا أن لا يصغي لقائل شر.
(أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ