لا نوم فيها ولا غائلة ، في ظل ظليل وأمن مقيل ومجاورة الجليل ، ثم روحوا إلى نهر الكوثر والكافور والماء المطهر والتسنيم والسلسبيل والزنجبيل ، فاغتسلوا وتنعموا ، طوبى لكم وحسن مآب ، ثم روحوا فاتكئوا على الرفارف الخضر والعبقري الحسان والفرش المرفوعة ، في الظل المدود والماء المسكوب والفاكهة الكثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) ثم تلا هذه الآية (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) ـ إلى هنا انته حديث أبي بكر النقاش ـ ثم إن الحق تعالى بعد هذا الخطاب يرفع الحجاب ويتجلى لعباده ، فيخرون سجّدا فيقول لهم : ارفعوا رؤوسكم فليس هذا موطن سجود ، يا عبادي ما دعوتكم إلا لتنعموا بمشاهدتي ، فيمسكهم في ذلك ما شاء الله ، فيقول لهم : هل بقي لكم شيء بعد هذا؟ فيقولون : يا ربنا وأي شيء بقي ، وقد نجيتنا من النار وأدخلتنا دار رضوانك وأنزلتنا بجوارك وخلعت علينا ملابس كرمك وأريتنا وجهك؟ فيقول الحق جل جلاله : بقي لكم ، فيقولون : يا ربنا وما ذاك الذي بقي؟ فيقول : دوام رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا ، فما أحلاها من كلمة وما ألذها من بشرى ، وتتفاضل الناس في رؤيته سبحانه ويتفاوتون تفاوتا عظيما على قدر علمهم ، فمنهم ومنهم ، ثم يقول سبحانه لملائكته : ردوهم إلى قصورهم فلا يهتدون ، لأمرين : لما طرأ عليهم من سكر الرؤية ، ولما زادهم من الخير في طريقهم فلم يعرفوها ، فلو لا أن الملائكة تدل بهم ما عرفوا منازلهم فإذا وصلوا إلى منازلهم تلقاهم أهلهم من الحور والولدان ، فيرون جميع ملكهم قد كسي بهاء وجمالا ونورا من وجوههم أفاضوه إفاضة ذاتية على ملكهم ، فيقولون لهم لقد زدتم نورا وبهاء وجمالا ما تركناكم عليه ، فيقول لهم أهلها : وكذاكم أنتم قد زدتم من البهاء والجمال ، ما لم يكن فيكم عند مفارقتكم إيانا ، فينعم بعضهم ببعض.
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)