وسمعا تسمع به كلامي ، ثم أعرفك بلسان الحال معنى عروجك عليّ ، وحكمة نظرك إليّ ، فكأنه يقول مشيرا : يا محمد إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ـ والشاهد مطالب بحقيقة ما شهد به ، ولا يجوز له الشهادة على غائب ـ فأريك جنتي لتشاهد ما أعددته لأوليائي ، وأريك ناري لتشاهد ما أعددته لأعدائي ، ثم أشهدك جلالي وأكشف لك عن جمالي ، لتعلم أني منزه في كمالي عن المثيل والشبيه والبديل والنظير والمشير ، وعن الحد والقد وعن الحصر والعد وعن الجوز والفرد ، وعن المواصلة والمفاصلة والمماثلة والمشاكلة والمجالسة والملامسة والمباينة والممازجة ، يا محمد إني خلقت خلقي ودعوتهم إليّ فاختلفوا عليّ ، فقوم جعلوا العزيز ابني وأن يدي مغلولة وهم اليهود ، وقوم زعموا أن المسيح ابني وأن لي زوجة وولدا وهم النصارى ، وقوم جعلوا لي شركاء وهم الوثنية ، وقوم جعلوني صورة وهم المجسمة ، وقوم جعلوني محدودا وهم المشبهة ، وقوم جعلوني معدوما وهم المعطلة ، وقوم زعموا أني لا أرى في الآخرة وهم المعتزلة ، وها أنا قد فتحت لك بابي ورفعت لك حجابي ، فانظر يا حبيبي يا محمد هل تجد فيّ شيئا مما نسبوني إليه؟ فرآه صلىاللهعليهوسلم بالنور الذي قواه به وأيده به من غير إدراك ولا إحاطة ، فردا صمدا ، لا في شيء ولا على شيء ، ولا قائما بشيء ولا مفتقرا إلى شيء ، ولا هيكلا ولا شبها ولا صورة ولا جسما ولا محيزا ولا مكيّفا ولا مركبا ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلما كلمه شفاها وشاهده كفاحا ، فقال : يا حبيبي يا محمد ، لا بد لهذا الخلق من سر لا يذاع ، وزمن لا يشاع (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) فكان سر من سر في سر ، وصل اللهم وسلم وبارك على أشرف مخلوقاتك ، سيدنا ومولانا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك ، ولسان حجتك وإمام حضرتك ، وعروس مملكتك وطراز ملكك ، وخزائن رحمتك وطريق شريعتك ، وسراج جنتك وعين حقيقتك ، المتلذذ بمشاهدتك ، عين أعيان خلقك ، المقتبس من نور ضيائك ، صلاة تحل بها عقدتي وتفرج بها كربتي ، وتقضي بها أربي وتبلغني بها طلبي ، صلاة دائمة بدوامك باقية ببقائك قائمة بذاتك ، صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.