بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٧)
يزيد العالم الشقي من أهل الدنيا حسرة إلى حسرته يوم القيامة ، عند ما يرى خلعة علمه على المؤمن المقلد ، وأنه قد أعطي جهله فيقول : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لعلمهم إذا كانوا مؤمنين ـ وإن كانوا جاهلين ـ أنهم إذا انتقلوا إلى دار السعادة ، خلعت عنهم ثياب الجهل ، وخلع عليهم خلع العلم ، فلا يبالون بما كانوا عليه من الجهل في الدنيا لحسن العاقبة. وما علموا أنهم لو ردوا إلى الدنيا في النشأة التي كانوا عليها لعادوا إلى حكمها ، فإن الفعل بالخاصية لا يتبدل ، فما تكلموا بما تكلموا به من هذا التمني إلا بلسان النشأة التي هم فيها ، وتخيلوا أن ذلك العلم يبقى عليهم ، وما جعل الله في هذه النشأة الدنيا النسيان للعلماء بالشيء فيما قد علموه ، ويعلمون أنهم قد كانوا علموا أمرا ، فيطلبون استحضاره ، فلا يجدونه بعد ما كانوا عالمين به ، إلا إعلاما وتنبيها على أنه على كل شيء قدير ، بأن يسلب عنهم العلم بما كانوا به عالمين إذا دخلوا النار.
(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢٨)
(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) البدا هو أن يظهر لهم ما لم يكن ظهر ، ولما قدر الله أن يكونوا أهلا للنار ، وأنه ليس لهم في علم الله دار يعمرونها سوى النار ، قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) حتى يدخلوا النار باستحقاق المخالفة ، إلى أن يظهر سبق الرحمة الغضب ، فيمكثون في النار مخلدين لا يخرجون منها أبدا على الحالة التي قد شاءها الله أن يقيمهم عليها ، ومع هذا العلم الذوقي الذي حصل لهم قيل فيهم : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) لأن الله يعلم أن هذه الدار الدنيا جعلها على طبيعة مخصوصة ، وجعل نشأة الإنسان على مزاج يقبل النسيان والغفلة وحب العاجلة ، ويقبل ضد هذا على حسب ما يقام فيه ، فعلم سبحانه أن نشأة هؤلاء الذين عينهم أنهم لو ردوا إلى الدنيا في نشأتهم التي كانوا عليها في الدنيا ، لعادوا إلى نسيان ما كانوا قد علموا ، وجعل على أعينهم غطاء على ما لو شهدوه ، لعلموا الأمر فعملوا له ، فهذا معنى (لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) لأن النشأة ليست إلا تلك فلو بقي لهم هذا العلم لما عادوا ، ألا ترى النبي صلىاللهعليهوسلم يقول في الصحيح أنه يؤتى