.................................................................................................
______________________________________________________
الموضع الثاني : في الحق
واستقصاء جهات البحث فيه يتم في طيّ مقامات :
المقام الأوّل : في بيان ماهيته وحقيقته.
فنقول : عرّفه جمع من اللغويين بما يقابل الباطل ، ففي القاموس واللسان أنه «ضدّ الباطل» وفي الصحاح «أنه خلافه» (١) قال ابن منظور : «حقّ الأمر ويحقّ حقّا وحقوقا : صار حقّا وثبت. قال الأزهري : معناه وجب يجب وجوبا. وفي التنزيل : قال الّذين حقّ عليهم القول ، أي : ثبت. ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين ، أي : وجبت وثبتت ..» (٢).
وعرّفه الراغب بأنّ أصل الحق المطابقة والموافقة ، ويطلق على أمور أربعة :
أحدها : موجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ، فيطلق عليه تعالى كما في قوله جلّ وعلا ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّٰهِ مَوْلاٰهُمُ الْحَقِّ.
ثانيها : الموجد ـ بمعناه المفعولي ـ بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ففعله تعالى حقّ ، كما في قوله عزّ من قائل : ما خلق اللّه ذلك إلاّ بالحق.
ثالثها : الاعتقاد بشيء ثابت في نفسه كالثواب والعقاب وحوادث القيامة.
رابعها : الفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب ، كقوله تعالى حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ، و حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي (٣).
ولا يبعد أن يكون معناه المصدري الثبوت ـ كما احتمله المحقق الأصفهاني ـ ورجوع سائر معانيه إليه من باب اشتباه المفهوم بالمصداق ، ومعناه الوصفي هو الثابت ، فإطلاقه عليه جلّ وعلا لكونه ثابتا بأفضل أنحاء الثبوت الذي لا يخالطه عدم ولا عدمي (٤). هذا بحسب اللغة.
وأما بحسب الاصطلاح الفقهي فهل هو اعتبار للثبوت الواقعي أم أمر آخر؟قد تقدم
__________________
(١) صحاح اللغة ، ج ٤ ، ص ١٤٦٠.
(٢) لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٤٩ ، القاموس المحيط ، ج ٣ ، ص ٢٢١.
(٣) مفردات ألفاظ القرآن الكريم ، ص ١٢٥.
(٤) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ٩(رسالة الحق).