العقد (١).
______________________________________________________
إذا عرفت هذه الأقسام الثلاثة في العناوين المعاملية ، فنقول : إنّ المقصود بكل واحدة من المعاملات العقد الدال عليه. ولكن إطلاق المعاملات على عقودها ليس على السواء ، فإطلاق المزارعة مثلا على إيجابها وقبولها قريب جدا ، لدلالة «المفاعلة» على قيام المبدأ بالموجب والقابل. وإطلاق البيع ونظائره مما يكون اسما لأحد طرفي العقد إنما هو لوجود علاقة الكلّ والجزء فيها ، حيث إنّ استعمالها في العقد يكون من استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، الذي هو من جنسه أعني به اللفظ الجامع بين الإيجاب والقبول.
وأمّا استعمال الإجارة في العقد القائم بطرفين ـ مع كونها اسما للمال ـ لا فعلا لهما فأبعد من استعمال البيع في العقد ، لأنّ علاقة الجزء والكل المتحققة في البيع مفقودة في مثل الإجارة ، لعدم كون الإجارة ـ بمعنى الأجرة التي هي عين المال ـ بمعنى المصدر حتى تصاغ منها المشتقات. نظير الأمر بمعنى الفعل والشأن ، فإنّه لا يصح حينئذ صوغ المشتقات منه ، بخلاف الأمر بمعناه المصدري ، فإنّه مبدأ للمشتقات وأصل لها.
وعليه فاستعمال الإجارة والوديعة في العقد ليس لعلاقة الكلّ والجزء ، بل لعلاقة السببيّة والمسببيّة.
والحاصل : أنّ مقصودهم من كلّ عنوان معامليّ عقده ، ولكن إطلاق عناوين المعاملات على عقودها ليست على سواء ، فالأقرب ما كان عنوان المعاملة اسما للطرفين كالمزارعة ، ويتلوه مثل البيع ممّا كان العنوان اسما لأحد الطرفين. ويتلوه مثل الإجارة ممّا ليس العنوان اسما لشيء من الإيجاب والقبول ، وكان مصحّح الإطلاق مجرّد علاقة السببية والمسببية ، هذا.
(١) وإنّما هي أسماء لأعيان خارجية ، فالإجارة كالأجرة عوض المنفعة غالبا ، والوديعة اسم للعين المودعة عند المستودع. والعارية اسم للعين التي ينتفع بها المستعير.
هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل ، وهو توضيح كلام صاحب المقابس قدسسره.