الحسين عليهالسلام وحجّ الناس من قابل ، دخلت على علي بن الحسين عليهالسلام فقلت له : يا مولاي ، قد قرب الحج ، فماذا تأمرني؟. فقال عليهالسلام : امض على نيّتك وحج. فحججت ، فبينما أطوف بالكعبة ، وإذا (أنا) برجل مقطوع اليدين ، ووجهه كقطع الليل المظلم ، وهو متعلق بأستار الكعبة ، ويقول : الله م رب هذا البيت الحرام ، اغفر لي وما أحسبك أن تفعل ، ولو تشفّع فيّ سكان سماواتك وأرضيك وجميع ما خلقت ، لعظم جرمي.
قال سعيد : فشغلت وشغل الناس عن الطواف ، حتى حفّ به الناس ، واجتمعنا عليه ، فقلنا : يا ويلك! لو كنت إبليس ما ينبغي لك أن تيأس من رحمة الله ، فمن أنت وما ذنبك؟. فبكى وقال : يا قوم ، أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت. فقلنا له : تذكره لنا. فقال :
كنت جمّالا لأبي عبد الله الحسين عليهالسلام لما خرج من المدينة إلى العراق. وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي ، فأرى تكّة تغشى الأبصار بحسن إشراقها ، وكنت أتمناها أن تكون لي ، حتى صرنا بكربلا وقتل الحسين عليهالسلام وهي معه. فدفنت نفسي [أي اختبأت] في مكان من الأرض.
فلما جنّ الليل خرجت (من مكاني) فرأيت في تلك المعركة نورا لا ظلمة ، ونهارا لا ليلا ، والقتلى مطروحين على وجه الأرض (فذكرت لخبثي وشقاوتي التكّة ، فقلت : والله لأطلبنّ الحسين ، وأرجو أن تكون التكة في سراويله ، فآخذها). ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتى أتيت إلى الحسين عليهالسلام فوجدته مكبوبا على وجهه ، وهو جثة بلا رأس ، ونوره مشرق ، مرمّل بدمائه ، والرياح سافية عليه. فدنوت منه وضربت بيدي إلى التكة (لآخذها) ، فإذا هو قد عقد لها عقدا كثيرة ، فلم أزل أحلّها حتى حللت عقدة منها.
فمدّ عليهالسلام يده اليمنى وقبض على التكة ، فلم أقدر على أخذ يده عنها (ولا أصل إليها) فدعتني نفسي الملعونة أن أقطع يده. فوجدت قطعة سيف مطروح ، فأخذتها (واتّكيت على يده) فلم أزل أحزّها حتى فصلت يده عن زنده ، ثم نحّيتها عن التكة. ومددت يدي إلى التكة ثانيا لأحلّها ، فمدّ يده اليسرى (فقبض عليها) ، ففعلت بها ما فعلت باليمنى. ثم مددت يدي إلى التكة (لآخذها) ، فإذا الأرض ترجف والسماء تهتزّ ، وإذا ببكاء ونداء ، وقائل يقول : وا ابناه ، وا مقتولاه ، وا ذبيحاه ، وا حسيناه ، وا غربتاه. يا بنيّ قتلوك وما عرفوك ، ومن شرب الماء منعوك!.