فلما رأيت ذلك صعقت ورميت نفسي بين القتلى ، وإذا بثلاث نفر وامرأة ، وحولهم خلائق (وقوف) ، وإذا بواحد منهم يقول : يا أبتاه يا حسين ، فداك جدك وأبوك ، وأمك وأخوك.
وإذا بالحسين عليهالسلام قد جلس ، ورأسه على بدنه ، وهو يقول : لبّيك يا جداه ويا أبتاه ويا أماه ويا أخاه ، عليكم مني السلام. ثم إنه بكى (ع) وقال : يا جداه قتلوا والله رجالنا ، يا جداه سلبوا والله نساءنا (يا جداه نهبوا والله رحالنا ، يا جداه ذبحوا والله أطفالنا ، يا جداه) يعزّ عليك أن ترى حالنا ، وما فعل الكفار بنا.
وإذا هم جلسوا يبكون حوله على ما أصابه ، وفاطمة عليهاالسلام تقول : يا أبتاه يا رسول الله ، أما ترى ما فعلت أمّتك بولدي؟. ورأيتهم يأخذون من دم شيبة الحسين عليهالسلام وتمسح به فاطمة عليهاالسلام ناصيتها ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي والحسن عليهمالسلام يمسحون به نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق. وسمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : فديتك يا حسين ، من قطع يدك اليمنى وثنّى باليسرى؟. فقال : يا جداه ، قطعها الجمّال [ويذكر له القصة كما مرت ...] ثم يقول : فلما أراد حلّ التكّة حسّ بك فرمى نفسه بين القتلى.
(يقول الجمال) : فلما سمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كلام الحسين عليهالسلام بكى بكاء شديدا ، وأتى إليّ بين القتلى إلى أن وقف نحوي ، فقال : ما لي ولك يا جمّال ، تقطع يدين طالما قبّلهما جبرئيل (وملائكة الله أجمعون ، وتباركت بهما أهل السموات والأرضين)؟!. أما كفاك ما صنع به الملاعين ، من الذل والهوان؟. سوّد الله وجهك في الدنيا والآخرة ، وقطع الله يديك ورجليك ، وجعلك في حزب من سفك دماءنا وتجرّأ على الله.
فما استتمّ دعاءه حتى شلّت يداي ، وحسست بوجهي كأنه ألبس قطعا من الليل مظلما. وبقيت على هذه الحالة ، فجئت إلى هذا البيت أستشفع ، وأنا أعلم أنه لا يغفر لي أبدا.
فلم يبق في مكة أحد إلا سمع حديثه ، وتقرّب إلى الله بلعنته ، وكلّ يقول : حسبك ما جنيت يا لعين (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].