فالآية تبيّن مراتب الاختلافات الواقعة في الأحوال الجسمانية من النطفة إلى العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم اكتسائه لحما ؛ وقد أثبت الطب المتطور : أنّ الجنين بعد قطع مراحله الثلاث تبدأ مرحلة تكوين العظام قبل إنبات اللحم ، وبهذا يظهر عظمة وإعجاز القرآن الكريم وبه تظهر عظمة نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي تجلّى على قلبه آيات الله تعالى وأسراره ، وبما يظهر من كشوفات علمية تدلّل صحة ما جاء به الكتاب العزيز الذي تحدّى كل الأمم ، وإعجازه ليس منحصرا ببلاغته الأدبية ، وإنما هو جانب من جوانبه ، بل إعجازه بكشوفاته العلميّة التي تزيد المرء إيقانا بعظمة الله تعالى ومحبّة برسول الرحمة صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما أنه معجز بدساتيره الأخلاقية والاقتصادية والسياسية وما إلى ذلك.
إذن هناك مراحل ماديّة لا بدّ أن يمرّ بها الجنين في بطن أمّه ، وتبقى آخر مرحلة تعتبر الأهم وهي إنشاؤه خلقا آخر (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ ...) فالإنشاء يعني الإبداع أي أنّ خلقه في آخر مرحلة يختلف عما قبلها من المراحل مما يعني مغايرة هذه المرحلة لما سبقها ، ولا يعني هذا سوى تعلّق الروح بالبدن المادي الذي مرّ بمراحل متعددة ، مما يدل على أن الروح ليس من جنس البدن.
الآية الخامسة :
قوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (الحجر / ٣٠ وص / ٧٣).
وقوله تعالى : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) (السجدة / ١٠).
والآيتان الكريمتان تعطيان نفس المعنى هو :
أنه سبحانه ميّز بين تسوية آدم عليهالسلام وبين نفخ الروح في جسده ، فالتسوية عبارة عن خلق البدن وتعديل المزاج والأمشاج ، فلمّا ميّز نفخ الروح المضافة إلى الذات الإلهية (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) دلّ ذلك على أن الروح جوهر شريف ليس من جنس البدن العنصري لأنه تعالى غير مادي ، وبما أنها أضيفت إلى نفسه فهي لا ريب غير مادية.
هذه بعض آيات تحدثت عن تجرّد الروح الإنسانية وأنها شيء غير البدن