مواقع متقدّمة في الأمة ، فوضعوا لها مسارات تتحكم بعقول السذّج منها ، فكان لا بدّ وأن يقلبوا موازين العقائد ومعايير الفقه بحجة التجديد في الاجتهاد والحداثة ومواكبة التطور الحضاري ؛ هذا مضافا إلى التنازل عن المعتقدات بغية تأسيس مذهب جديد في الإسلام يجمع الأطراف كلها من الشيعة والسنّة تحت شعار التقريب بين المذاهب ، لكن للأسف بدأ التنازل من بعض الرموز المحسوبة على الشيعة ، وكأنّ التقريب بين المذاهب لا يتم إلا عبر الانصهار التام بالعقائد والفقه ومن طرف واحد ، لذا بات كثير من المراجع والعلماء والمتدينين يشكّون بكلّ هذه الخطوات التقريبية التي تتنكر دائما لعقيدتها وتستخف بها ، من هنا فإنّ المسألة فيما نعتقد هي أن نعالج فكرة التقريب بدعوة الآخرين إلى الالتحام بالحق لا التنازل عنه ، لأنّ القضية هي قضية مبادي وقيم وقناعات ومعتقدات ، فالآخر سواء كان غربيا أم شرقيا لا يتنازل لك عند معتقداته بل لا يسمح لك أن تناقشها باستخفاف وتهاون. وها هم أصحاب الديانات والفرق مع ما يعتقدون من أفكار وتصورات لا يكاد يقبلها العقل ولا تستمجها الطباع السليمة ومع هذا لم نسمع من أحد منهم أنه قدّم تنازلات بحجة الوفاق الوطني أو التقريب بين المذاهب والأديان.
فإذا أردت أن يحترمك الآخرون عليك أن تحترم معتقداتك ، فالاحترام شيء والرضا شيء آخر ، فعند ما تحترم معتقداتك تفرض احترامها على الآخرين وإن لم يعتقدوا بها (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١).
إن معتقداتنا وقيمنا وشعائرنا الدينية متينة وراسخة سواء أقبل الآخرون بها أم لم يقبلوها! ومعتقداتنا هي التي كفلت لهذا الدين أن يستمر وأن يعمر مئات السنين ، لأن العقيدة الدينية منشأ التحولات الكبرى قديما وحديثا ، وسبب للتحولات والتطورات العظيمة في حياة بني البشر ، وقد أثبتت التحقيقات العلمية والتاريخية أن العقيدة الدينية كانت في أغلب الموارد هي المصدر والملهم للآداب والعلوم والانقلاب على الباطل ، هذا مضافا إلى أن أكثر المواقف الانسانية التي تجسّد قيم الايثار والنجدة والبسالة والتضحية والصمود كانت ولا تزال تستمد
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٢١.