الوحي لم يكن قد تنزّل عليه بذلك .. ولم يكن هناك مجال للمزيد من التحاليل التأملية للجانب الفلسفيّ من المعادلات العقلية التي تتحدّث عن استحالة تجسّد الإله أو إمكانه ... لأنّ ذلك قد لا يكون مطروحا لدى موسى عليهالسلام ... ونحن نعرف ، تماما ، معنى التكامل التدريجي للتصوّر الإيماني في شخصية الرسول الفكرية ... ولهذا فإننا نحاول ـ هنا ـ أن نسجّل تحفّظنا على الكثير من الأحكام المسبقة التي تحاول تطويق النص القرآني ببعض الاستبعادات الذاتية ... كما في مثل هذه الآية ... فإننا نلاحظ أنّ تصورنا لشخصية الأنبياء ، يبدأ من القرآن ، فيما يحدّثنا عنهم من أحاديث ، ويسبغه عليهم من صفات فهو المصدر الأساس الأمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... ونحن نرى أنّ الحديث القرآني يركّز في بعض نقاطه على نقاط الضعف لدى الأنبياء كما يركّز على نقاط القوة عندهم ... من موقع البشرية التي يريد القرآن أن يركزها في التصور القرآني في أكثر من اتجاه ... فهل نريد أن ندخل في مزايدة كلامية على القرآن فيما يتعلّق بمثل هذه الأمور .. فنفرض لأنفسنا تصوّرات معينة للأنبياء ثم نحاول تأويل كلام الله بطريقة لا يتقبّلها النصّ في بعض الأحيان ... إننا نفهم التأويل حملا للفظ على خلاف الظاهر ، على أساس المجاز أو الكناية أو ما يتقرب منهما ... ولا بدّ للخروج من الظاهر أن يكون هناك دليل لفظي أو عقلي حتى نصرف اللفظ عن الظاهر من خلاله ... ولا نجد شيئا من هذين في موضع هذه الآية ، فليس هناك مانع من إرادة النظر بالمعنى الحسي فيما طلبه موسى بل هو الظاهر الواضح جدا في أجواء الآية من خلال التجربة التي قدمها الله أمامه ، فيما تعطيه كلمة التجلي من أجواء استحالة الرؤية البصرية فيما وجّهه الله للجبل من نوره الذي لا يستطيع الجبل أن يتماسك معه ... فكيف لو كان التجلّي له ... سبحانه ...) (١).
أقول : يتلخص من كلامه أمور :
ـ الأمر الأول : إنّ موسى عليهالسلام خيّل إليه أن من يسمع كلام الله يستحق أن يراه.
ـ الأمر الثاني : استعراضه للرأيين الأشعري والإمامي ، متبنيّا المسلك
__________________
(١) من وحي القرآن : ج ١٠ ص ١٦٥ ـ ١٦٧.