فاتحاد الصفات مع الذات البسيطة من جميع الجهات يعدّ التوحيد الخالص الذي أشار إليه مولى الثقلين أمير المؤمنين أبو الحسنين روحي فداه بقوله الشريف :
«أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزأه ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال على م فقد أخلى منه» (١).
وهنا شرح لطيف لصدر المتألهين (قدسسره) في شرح الرواية لا بأس بعرضه قال :
[قوله عليهالسلام : «أول الدين معرفته» إشارة إلى أن معرفة الله تعالى ولو بوجه ابتداء الإيمان واليقين ، فإن ما لم يتصور شيئا لا يمكن التصديق بوجوده. ولهذا قيل : مطلب «ما» الشارحة مقدم على مطلب «هل» كتقدم البسيط على المركب.
قوله عليهالسلام : «وكمال معرفته التصديق به» ، وذلك لأنّ من عرف معنى واجب الوجود أنه الوجود المتأكد الذي لا أتمّ منه الذي يفتقر إليه الممكنات والوجودات الناقصة الذوات المصحوبة للنقائص والاعدام والقصورات ، فقد عرف : أن لا بدّ أن يكون في الوجود موجود واجب الوجود ، وإلّا لم يوجد موجود في العالم أصلا واللازم باطل بالضرورة ، فكذا الملزوم ، فحقيقة الوجود إذا عرفت على وجه الكمال هو أن يكون معلوما بالعلم الحضوري الشهودي إذ قد ثبت في ما سبق أن الصورة العلمية في الوجود لا بدّ وأن يكون نفس حقيقته المعلومة بخلاف سائر الهيئات ، فإنها قد يكون العلم بها غير وجودها العيني فلا يمكن أن يعرف حقيقة كل وجود إلّا بعينه الخارجي إذ ليس للوجود وجود ذهني كالماهيات الكلية ، فكلّ من عرف حقيقة الوجود لأي موجود كان ، على وجه الكمال ، فلا بدّ أن يعرف كنه ذاته وكنه مقوماته إن كان له مقومات كالوجودات المجعولة ، وعلى أيّ تقدير لا بدّ أن يعرف أن حقيقة الوجود ومبدأه وكماله
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة الأولى في التوحيد.