موجودة ، لأنّ «ما هو» و «هل هو» في نفس الوجود أمر واحد بلا تغاير بينهما. فمن عرف الوجود أيّ وجود كان بحقيقته عرف أنّه موجود لأنّ ماهية الوجود أنيته كما أشرنا إليه، ثبت أنّ كمال معرفته ـ أيّ معرفة الوجود المتأكد الواجبي ـ عيني التصديق به.
قوله عليهالسلام : «وكمال التصديق به توحيده» إشارة إلى البرهان على نفي تعدد الواجب من جهة النظر في نفس حقيقة الواجب الذي هو الوجود الصّرف الذي لا يشوبه عموم ولا تشخص فإنّ من تأمّل أن الواجب نفس حقيقة الوجود وكلّ موجود غيره مشوب بغير حقيقة الوجود من تحديد أو تخصيص أو تعميم أو نقص أو فتور أو قوّة أو قصور ، يعلم : أنّه لا تعدّد فيه إذ لو فرض تعدد أفراد الواجب يلزم أن يكون الحقيقة الواحدة حقيقتين ، وهذا من المستحيلات التي لا يمكن تصوّرها فضلا عن تجويز وقوعه كما مرّ تحقيقه. فثبت أنّ معرفة ذاته التي هي عين التصديق بوجوده شاهدة على فردانيته ووحدانيته كما قال (تعالى): (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فذاته شاهدة على وحدانيته.
وأمّا وجه عطف قوله : «والملائكة وأولو العلم» على كلمة «الله» الدالّ على شهادتهم أيضا على وحدانيته فبيانه كما مرّت الإشارة إليه من أنّ وجود كلّ موجود سواه متقوم بوجوده (تعالى) بحيث لا يمكن معرفة شيء من هذه الوجودات بكماله إلّا بحضور هويته وشهوده ، وهو مستلزم لحضور ما يتقوّم به أعني الوجود الحق بقدر ما يمكن حضور المفيض للمفاض عليه. وقد علمت : أن حقيقة الحق شاهدة على توحيده ، فكذلك وجود غيره. وإنّما عبّر عنه ب «الملائكة» وأولي العلم ، لأنّ جميع ما سواه من الموجودات من أولي العلم ، لما وقعت إليه الإشارة من أنّ الوجود على تفاوت درجاته عين العلم والقدرة والإرادة وسائر الصفات الوجودية ، لكن الوجود في بعض الأشياء في غاية الضعف فلا يظهر منه هذه الصفات لغاية قصورها ومخالفتها بالإعدام والظلمات. وإلى ذلك أشار تعالى بقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).
وقوله عليهالسلام : «وكمال توحيده الإخلاص له» يعني الزوائد والثواني إذ لو كان في الوجود غيره ، سواء كان صفة أم شيئا آخر لم يكن بسيطا حقيقيا لمّا مرّ سابقا أنّ بسيط الحقيقة لا يسلب عن ذاته ما هو كمال وجودي إلّا النقائص والإعدام ، إذ جهة سلب الوجود غير جهة ثبوت الوجود ، فلو سلبت عن ذاته