وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فتسبيح الكائنات لا بدّ أن يكون عن شعور وإدراك كلّ بحسبه.
فكمال الجماد بقوة تماسكه وجذبه ، وكمال النبات والحيوان بقوة شعوره وإحساسه وكلما ترقى الكائن في التدرّج التكويني كلما قوى وجوده وحياته. وهكذا هناك وجود أقوى من وجود تلك الكائنات وهو وجود الإنسان حيث إنه يمتلك شعورا وإدراكا أعلى وأشرف من وجود وحياة الجماد والنبات والحيوان ، فهو يمتلك الإدراك العقليّ والعلميّ والروحيّ ، وهذا بدوره تطوير للحسّ والشعور الموجودين في الحياة الحيوانية وهكذا كلما ارتقينا ينكشف لدينا شعور وإدراك أكثر ، فمثلا الحياة في الموجودات المجردة عن شوائب المادة كالملائكة لها وجود أكمل وأرفع مما دونها ، ومجردة عن نواقص الحياة الموجودة في الكائنات المادية ، فالفعل فيها أعظم ، والإدراك فيها أرقى.
وهكذا فإنّ الحياة في واجب الوجود تعالى هي بنحو الفعل والإدراك التامّين المنزّهين عن كل نقص ، فحياته متصفة بالعلم والقدرة الكاملين المنزّهين عن أية أداة أو انطباع أو صورة.
إذن كونه تعالى حيّا يستلزم كونه عالما قادرا ؛ قال صدر المتألهين : [فالحياة تتم بإدراك وفعل ، والإدراك في حق أكثر الحيوانات لا يكون غير الإحساس ، وكذا الفعل لا يكون إلا التحريك المكاني المنبعث عن الشوق ، وهذان الأثران منبعثان عن قوتين مختلفتين ، أحدهما مدركة ، والأخرى محركة ، فمن كان إدراكه أشرف من الإحساس ـ كالتعقل ونحوه ـ وكان فعله أرفع من مباشرة التحريك ـ كالإبداع وشبهه ـ لكان أولى بإطلاق اسم الحياة عليه بحسب المعنى ، ثم إذا كان نفس ما هو مبدأ إدراكه بعينه نفس ما هو مبدأ فعله ـ من غير تغاير حتى يكون إدراكه بعينه فعله وإبداعه ـ لكان أيضا أحق بهذا الاسم لبراءته عن التركيب ، إذ التركيب مستلزم للإمكان والافتقار لاحتياج المركّب في قوام وجوده إلى غيره ، والإمكان ضرب من العدم ـ المقابل للوجود ـ ، والموت المقابل للحياة ، والدثور المقابل للبقاء ، فالحي الحقيقيّ ما لا يكون فيه تركيب قوى ، وقد صحّ أن واجب الوجود بسيط الحقيقة أحديّ الذات والصفة ، فردانيّ القوة والقدرة ، وأنّ نفس تعقّله للأشياء نفس صدورها عنه ، وأن معنى واحدا بسيطا منه عقل للكلّ ومنشأ