فيه اختلاف فهو ضروري بعكس الأول حيث وقع فيه نزاع فيثبت أنه غير ضروري.
والجواب :
أولا : يجوز التفاوت في العلوم لتفاوت الصور (١) على حد تعبير العلّامة الخواجة نصير الدين الطوسي «قدسسره».
توضيح مراده : أن العلوم الضرورية قد تتفاوت بوقوع التفاوت في التصورات وقد قال أهل صناعة المنطق إن للبديهيات مراتب في التصور فالأوليات (٢) أكثر بداهة من المشاهدات بمراتب ودرجات ، والمشاهدات أكثر بداهة من التجريبيات ، وهي أبده من الحدسيات وهي أبده من المتواترات ، وهذه أبده من الفطريات.
فلو صح ما ذكره الأشاعرة من الملازمة بين الضروريات لزم أن لا تكون الحدسيات من اليقينيات ، وبعبارة :
إنّ العلوم اليقينية مع كثرتها ليست على نمط واحد بل لها مراتب ودرجات وهذا شيء يلمسه الإنسان إذا مارس علومه ويقينياته وعلى ذلك فلا مانع من أن يقع الاختلاف في بعض العلوم الضرورية لدوافع خاصة وهي في المقام تصوّر أن الحكم بالحسن والقبح تحديد لسلطة الله تعالى فلأجل ذلك رفضت الأشاعرة هذا العلم الضروري للحفاظ على عموم سلطته تعالى.
ثانيا : إنّ قياس الأشاعرة مسألة الحسن والقبح على مسألة أن الكل أعظم من الجزء قياس مع الفارق. وكأنهم ظنّوا أن كل ما حكم به العقل فهو من الضروريات مع أنّ قضية الحسن والقبح من المشهورات بالمعنى الأخص ، ومن قسم المحمودات خاصة ، والحاكم بها هو العقل العملي ، وأما قضية الكل أعظم من الجزء فهو من الضروريات الأولية والحاكم بها العقل النظري (٣) لا محالة.
__________________
(١) كشف المراد : ص ٣٢٩ ونهج المسترشدين : ص ٢٥٩.
(٢) القضية الأولية هي ما حكم بها العقل من دون توسط شيء آخر معها كحكمه بأن الاثنين نصف الأربعة ، والقضية المشاهدة هي التي يحكم بها العقل بواسطة الحس ، والقضية الحدسية هي التي يكون مبدأ الحكم بها حدس في النفس يزول معه الشك ويذعن الذهن بمضمونها. أما القضية المتواترة فهي التي تسكن إليها النفس سكونا يزول معه الشك ويحصل الجزم القاطع وذلك بواسطة أخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب.
(٣) الفرق بين العقل النظري والعملي ، أن التفاوت بينهما إنما هو بتفاوت المدركات ، فإن كان ـ