الدليل الثاني :
أنه سبحانه مالك الملك يفعل ما يشاء في ملكه تعالى قال الأشعري :
«والدليل على أن كل ما فعله فله فعله ، أنه المالك ، القاهر ، الذي ليس بمملوك ولا فوقه مبيح ولا آمر ولا زاجر ولا حاظر ولا من رسم له الرسوم ، وحدّ له الحدود ، فإذا كان هذا هكذا لم يقبح منه شيء ، إذ كان الشيء إنما يقبح منّا لأنّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا ، وأتينا ما لم نملك إتيانه ، فلمّا لم يكن الباري مملوكا ولا تحت آمر لم يقبح منه شيء ، فإن قال : إنما يقبح الكذب لأنه قبّحه ، قيل له أجل ، ولو حسّنه لكان حسنا ، ولو أمر به لم يكن عليه اعتراض ، فإن قالوا : تجوزوا عليه أن يكذب كما جوّزتم أن يأمر بالكذب ، قيل لهم : ليس كل ما جاز أن يأمر به جاز أن يوصف به (١).
يجاب عنه :
أولا : أننا لا ننكر كونه تعالى مالك الملك يقدر على كل أمر ممكن ، وهذا مما لا شبهة فيه ، ولكن حكم العقل بأنّ الفعل الفلاني قبيح لا يصدر عن الحكيم ليس معناه تحديد ملكه وقدرته ، وهذا تماما كمن كشف عن قانون طبيعي أو رياضي بحكم العقل القائل : إن كل زوج ينقسم إلى متساويين أو أن كل من رمى بنفسه إلى الأرض من مرتفع عال سوف تتكسر عظامه ويموت ، فهل يحتمل أن العقل بذلك فرض حكمه على الطبيعة أو على القانون الرياضي؟ أو أن الإنصاف أن يقال : إنّ الطبيعة كانت تحتمل ذلك القانون والعقل كشفه وبيّنه؟ والحق هو الثاني ، وكذلك في مفروض المسألة فليس العقل هنا حاكما وفارضا حكمه على الله سبحانه بل إن العقل بالنظر إلى الله تعالى وصفاته التي منها الحكمة والغنى يكشف ويبيّن عن أن الموصوف بمثل هذه الصفات لا يمكن أن يصدر منه القبيح ولا الإخلال بما هو حسن.
ثانيا : كما أنه تعالى مالك لكل شيء ومع هذا فوّض أمر التدبير والخلق
__________________
ـ المدرك مما ينبغي أن يعلم مثل قولهم «الكل أعظم من الجزء» الذي لا علاقة له بالعمل ي سمى إدراكه عقلا نظريا وإن كان المدرك مما ينبغي أن يفعل ويؤتى به أو لا يفعل مثل حسن العدل وقبح الظلم يسمى إدراكه عقلا عمليا.
(١) الإلهيات : ج ١ ص ٢٤٩ نقلا عن اللمع : ص ١١٦.