الجبر ـ التفويض ـ الأمر بين أمرين.
فالثالث هو الحق وزبدة المخض حيث قامت الأدلة المحكمة على إثباته وتثبيت قواعده ، وأما الأولان فدونهما خرط القتاد ، وأحدهما أشنع من الآخر ، أعني الجبر الذي نسب إلى الذات الإلهية ما لا يليق بها.
والالتزام بمبدإ الجبر قال به جمهور العامة مما استدعى ذلك تطفّل بعض الغربيين بأقلامهم السامة إلى الاعتقاد بأنّ العلّة الأساس لانحطاط المسلمين سببه الاعتقاد بالجبر وأن نبيّ الإسلام كان يستفيد من فكرة الجبر في تسيير حركته العسكرية ، قال واشنطن أرونك في تعداده للمبادىء التي اعتمدها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لإنجاح دعوته.
[... الإيمان بالله والملائكة والكتب الإسلامية والأنبياء ويوم القيامة ... إلى أن قال: وآخر القواعد في صف مبادي الإسلام هي عقيدة الجبر وكان محمّد يستفيد منها في شئونه العسكرية لأنه بموجب هذه القاعدة تكون كل حادثة في العالم قد قدّرت في علم الله قبل وجود العالم وفي اللوح المحفوظ وقد عيّن فيها مصير كل شخص وأجله بشكل لا يقبل التغيير ولا يمكن تقديمه أو تأخيره أبدا ، ولمّا كان المسلمون يؤمنون تماما بهذه الأمور ويسلّمون بها ، فقد كانوا أثناء الحرب وبدون وجل وخوف يلقون بأنفسهم في صفوف العدو ، فإنّ الموت في الحرب في نظرهم يعني الشهادة ويوصلهم إلى الجنة ...] (١).
يورد عليه :
أولا : إن كلامه الآنف الذكر دعوى بلا دليل وبرهان ، إذ من أين أثبت أن نبي الرحمة عليهالسلام كان يقول بالجبر ويدعو المؤمنين للحرب باسم الجبر.
ثانيا : كيف يدعوهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عقيدة الجبر في حين أن القرآن الكريم بنصوصه الصريحة الكثيرة ينبذ هذه العقيدة الفاسدة ، ويؤكد على اختيار الإنسان وحريته من دون قسر أو ضغط على أفعاله وتصرفاته ، فلو صحّ ما زعم هذا الكاتب لكان النبي (وحاشاه أن يدعو إلى ما زعم المذكور) داعيا إلى مخالفة ما دعا إليه الله سبحانه في كتابه الكريم.
__________________
(١) حياة محمّد : ص ٥٤٩.
القضاء والقدر للمطهري : ص ١٧.